لحظة الوهم

لم يع جيل الحكام العرب الجدد الدرس ،ولم يتعظوا من تجارب من سبقهم ...في إصرار عجيب على إقتفاء أثر من قبلهم ، بالرغم مما خلفه السابقون من كوارث سياسية لاتزال حرائقها مشتعلة منذ ثلاثة عقود خلت ، سقطت خلالها أنظمة ، وتحللت مجتمعاتها إلى وحدات أولية بسيطة على أسس عرقية ، وطائفية ، ومذهبية .

 

ظلت ثقافة المؤامرة ، وفن صناعة الخصوم الفلسفة التي تقوم عليها السياسة العربية ‘ التي لم تنتج سوى فجور الخصومة ، الذي لايرعى حقا لمصلحة ، أو قربى أو جيرة .

 

أوعز الغرب للرئيس العراقي السابق صدام حسين سرا باجتياح الكويت ، فوجد في جارته الصغيرة مايشبع شبقه التسلطي ، وماسيملي خزائن العراق الفارغة ، اجتاح الجيش العراقي الكويت ، وطوى جنوده أسلاك الحدود الكويتية الشائكة ، تهللت أسارير الرئيس العراقي بهذا الانتصار ، وانتفخت أوداجه بما حققه جنود خلال 30 دقيقة ، في حين كان من أوعز إليه يعد خطته لثلاثين سنة قادمة .

 

أنتهى العراق إلى الأبد بمال عربي ، وتأييد عربي ، ومباركة عربية . خسر العرب كل شيئ ، وأخذ الروم والفرس كل شيئ .

 

فرحت كثير من الأنظمة العربية بسقوط نظام البعث ، وتهللت أسارير كثير من حكامها؛ وهم يسمعون نعال صدام حسين وهي تقرع خشب سلم المشنقة ، وبرؤية أحد أفراد المليشيات الشيعية وهو يلف حبل المشنقة حول رقبة الرجل الذي بدأ رابطا للجأش متماسكا في مواجهة قدره ومصيره .

 

كانت سعادة الحكام العرب بسماع قرع نعال صدام لخشب سلم المشنقة ، ومنظر لف حبل المشنقة على عنقة تشبه إلى حد كبير نشوة صدام حسين برؤية جنوده وهم يطوون أسلالك الحدود الشائكة لجارته الصغيرة .

 

اجتاحت جيوش تحالف الروم ، والفرس ، والعرب الحدود العراقية في 3 أيام فقط ، سبقتها حرب جوية أستمرت 30 يوما ، أعاد الرقم (3) إلى أذهان العراقيين ذكرى (30) دقيقة الوقت الذي استغرقه الجيش العراقي لاحتلال الكويت .

 

بسقوط تمثال البرونز للرئيس العراقي وسط الساحة الخضراء في بغداد ؛ دخل المشروع الغربي الذي حدد ساسة البيت الأبيض مدته بالرقم (30) أي 30 سنة ، وأطلق عليه عرابه جون بايدن ( تقسيم المقسم ، وتجزئة المجزأ ) وبارك كثير من حكام العرب هذا المشروع ؛ ظنا منهم إنه سينتهي عند نهاية الحدود العراقية .

 

رهن الروم العراق للفرس مقابل إستمرارهم في التمثيل على الأعراب ، وتحريك أذرعهم في العراق ، واليمن ، وسوريا ، ولبنان ، والبحرين ، ليبدأ الثنائي في تنفيذ المرحلة الثانية من مشروع تقسيم المقسم ، وتجزئة المجزأ .

 

التهمت حرائق مشروع بايدن رقعة الأرض العربية الفقيرة ، وحولت شعوبها إلى جماعات يدق بعضها رقاب بعض مقابل اضغاث أحلام وطنية ، وعرقية ، وطائفية .

 

تطاير شرر حراق مشروع بايدن مجتازا رقعة الأرض العربية الفقيرة ، إلى رقعة الأرض الغنية مما يعني دخول المشروع مرحلة التنفيذ في هذه الدول .

 

مع دخول المشروع الأمريكي مرحلة جديدة ، دخل العرب طورا جديدا من لحظة الوهم العربية ، بعد إن أطلق العم ترامب صافرة البداية ؛ بدق أسفين الفتنة بين حليفيه الخلص السعودية وقطر ، لتنطلق المرحلة الثالثة بإغلاق الحدود القطرية السعودية ؛ كما أنطلقت مرحلته الأولى حين طوى الجنود العراقيون أسلاك الحدود الشائكة لجارتهم الصغيرة الكويت .

 

لم يطو الجيش السعودي الأسلاك الشائكة للحدود القطرية هذه المرة ، لأنها مفتوحة أصلا ؛ لذا لم يكلفه سوى إغلاق بوابة الحدود فقط .

 

بمجرد إغلاق بوابة الحدود القطرية السعودية تهاوت القرارات الدوبلوماسية ، والاقتصادية على الجزيرة الصغيرة الممتلئة كنوزا ، وثروة .

 

كادت موجة القرارات الاقتصادية ، والدوبلوماسية العاتية من المنطقة العربية ، وسواحل جزر المالديف ، وموريش ؛ أن تغرق يابسة جزيرة قطر ، وتغرق حاكمها الشاب في نشوة وهم كاذبة ، جعلت منه تشافيزا أخرا ، وجعلت من الجزيرة الصغيرة الرابضة في أحضان الخليج العربي ؛ كتلك الجزيرة الصغيرة الرابضة في أحضان الكاريبي على ضفاف خليج الخنازير ( كوبا) .

 

لايزال طقس الوهم مخيما على معظم أجزاء المنطقة العربية ، ويبدو إن سحابته ستطول ، و لن تنقشع إلا باستكمال مشروع بايدن أخر مراحله؛ تفتيت الدول العربية إلى كانتونات صغيرة على أسس دينية ، وعرقية ، وطائفية ، ومذهبية ، وحينها سيردد الجميع مقولة ( أكلت يوم أكل الثور الأبيض ).

مقالات الكاتب