الرئيس هادي عوامل النهوض وأسباب السقوط

وصل الرئيس هادي إلى سدة الحكم في لحظة غريبة ومثيرة ، تكمن غرابة اللحظة في الفعل السياسي الذي اوصل الرئيس هادي إلى الحكم حين قذفت به أمواج ثورة جماهيرية سلمية هادرة ، في موسم رياح عاتية ضربت جزءا من العالم العربي كانت اليمن واحدة من بلدانه .

وكما هي غريبة فهي أيضا مثيرة ، حين ينظر المتابع كيف تخلى هؤلاء الحكام عن السلطة وهم في اوج قوتهم ؟ ولماذا تخلوا عنها وهم يملكون مايملكون من وسائل القوة والتمكين ؟ لن نخوض في تفسير هذه اللحظة ، ولا في أسبابها ، ولا في عوامل نجاحها ، أو أسباب فشلها .

سلم صالح السلطة لهادي ، في حين يصر هادي أن صالح لم يسلمه سوى خرقة فقط ، ومن خلال الخوض في جدلية السلطة والخرقة سنحاول معرفة ما لهادي وماعليه، من خلال النظر للمعطيات التاريخية لهذه اللحظة ، منذ ولادتها ، وتتبع مراحلها ، و سنحاول تفسير بعض المواقف الغريبة والمثيرة للرئيس هادي ، وكيف تعامل مع خصومه وحلفائه ؟ ومن خلال الإجابة نستيطع التنبؤ بمستقبل الرجل ، وهل نجم هادي متأهبا للصعود أما هاويا نحو السقوط ؟

لازمت لحظة الغرابة المثيرة التي اوصلت هادي للحكم سلوك الرجل السياسي ، حتى أصبحت صفة ملازمة له، ومن هنا جاء الاختلاف حول شخصية الرجل ؛ وتأرجح الحكم حولها بين الغباء والذكاء ولايوجد رأيا وسطا بينهما ، وبين حكم الأنصار والخصوم بقيت شخصية هادي تحتاح إلى التحليل من خلال أدائها لإيقاف حالة التأرجح بين المدح والذم ، وخروجا من معادلة الملك والشيطان ، ونأيا بالرأي عن الحب والبغض ، والولاء والعداء فلابد من استقصاء الأحداث ، ومحاكمتها محاكمة عقلية مجردة ، بعيد عن الأهواء والرغبات والمواقف والأحكام المسبقة .

مثل وصول الرئيس هادي إلى الحكم مرحلة فارقة في تاريخ اليمن شمالا وجنوبا ، ولكن غرابة اللحظة وفجأيتها جعلت منها مرحلة باهتة ، ربما لتناقض الفعل السياسي الذي قذف به إلى الحكم ، وهادي الذي كان جزءا من ذلك الحكم ، اضطرت قوى الثورة بالقبول بهادي ، واضطر صالح للتسليم له ، وكان ضعف هادي الأساس الذي انطلقت منه قناعة الفريقين ، ولهذا سلم صالح ، ولذلك قبلت قوى الثورة .

من هنا بدأت جدلية السلطة والخرقة ، ظلت لحظة ذهول التغيير مسيطرة على الجميع بما فيهم هادي نفسه ، حتى أنه كان يصرح بذلك جهارا إن صالحا لم يسلمني سلطة بل خرقة فقط ، في حين عقدت الجماهير الرهان على هادي لقيادة مرحلة انتقالية تكون أساسا لبناء دولة يمنية حديثة ، ووقف خلفه الأقليم والدول الخمس ، بل ومجلس الأمن برمته ، تعامل الداخل والخارج مع هادي كرئيس وتعامل معهم بعقلية النائب المجرد من الصلاحيات في حين كان يؤكد له الداخل والخارج إنه الرئيس الشرعي لليمن .

كان بامكان هادي الخروج من عباءة النظام السابق ، والتبرأ منه ، والانفتاح على كل القوى ، لكنه تعامل مع نفس القوى العتيقة التي كان يتعامل معها صالح ، وتعامل مع بقية القوى أما بلا مبالاة ، أو محاولة استنساخ نسخا لأصولها لاتحمل من التأثير في الشارع سوى اسم القوى المستنسخة فقط .

ملت كل القوى هاديا ، سواء التي تحالف معها أو اختلف معها ، ولم تعد ترى فيه سوى منجم لجني أكبر قدر ممكن من المكاسب المادية على سبيل العطايا والهبات ، أو على مستوى التعيينات في الوظائف السيادية العليا، أو على مستوى الكادر الوسطي ، تسابقت هذه القوى على جني أكبر قدر من المكاسب قبل أن تنتهي فترة حكم هادي ، في حين نسي هادي إن يبني قواعدا للدولة وفقا للأهداف الثورية التي أتت به إلى الحكم ، ضل هادي الطريق ، ولم يهتد إلى طريق البوابة التي كان يفترض أن يلج منها على اليمنيين بالمشروع الذي يحمل بصمته الخاصة بسبب تحلق القوى القديمة حوله ، فذهب إلى الرهان على عامل الوقت وترحيل الملفات التي من شأنها إن تطيل فترة المرحلة الانتقالية ، التي لن تبق هاديا سوى رئيس مؤقتا فقط .

رحل هادي الكثيير من الملفات ، وشهد اليمن أطول حوار في العالم ، واستنسخ كيانات بديلة غير مؤثرة في الشارع ، بعد التخلي عن الكيانات الأصلية لها ، فانفضت القوى السياسية الجديدة من حوله ليجد هادي نفسه أمام نفس القوى العتيقة التي لاتنظر لهادي إلا رئيسا مرحليا؛ وظل تركيزها على رشف رحيق هادي فقط، لم ينتبه هادي إن ارتشاف هذه القوى لرحيقه كان دون مقابل إلا حين حاصرة الانقلابيون في صنعاء ، و فتح صالح أبواب صنعاء للحوثيين على مصراعيها ، وفهم الاصلاحيون اللعبة فذهبوا إلى مران للتفاوض مع الحوثي ، وبهذا اسدل الستار هادي بيده على فترة حكمه رئيسا في صنعاء، و لم يستفد من الإمكانات التي كانت بين يديه كرئيس يقف خلفه العالم أجمع .

كان الحظ حصان هادي الذي قطع به كل المراحل ، وورقته الرابحة التي تغلب الموازين لصالحه ، ولكن قوة الحظ التي يتمتع بها هادي كان يقابلها بترهل أداءه السياسي ، وبطئ حركته ، واعتماده على التسويف وترحيل الأزمات .

خرج هادي من إقامته الجبرية بعلم القوى التي كانت تحتجزه ، لأن مسألة هروبه ، أو تهريبه مسألة لايقرها العقل ، ولايؤيدها المنطق ، فهروب شخص بحجم هادي خلسة دون علم من يحتجزه وقطعه لمئات الكيلومترات دون معرفة الأجهزة الأمنية شيئ لايصدق ، ربما لعلم محتجزوه أين ستنتهي رحلته ، واتفاقهم المسبق على ترتيب مرحلة مابعد هادي ، لذا أعطوا الإذن لبعض القوى بإخراجه من صنعاء لرفع الحرج القانوني في حال وجوده قيد الإقامة الجبرية .

ساعد طيش الحوثيين ونزقهم هادي على إمتطاء صهوة الحظ مرة أخرى ، حين ظن الحوثي إن خطوط السعودية الحمراء مثل خطوط هادي ، فوهموا إن عدن عمران وإن الجنوب الهضبة الزيدية وماجاورها .

أنطلقت عاصفة الحزم دون علم هادي كما يقول هادي نفسه ، لكنها إعادت هادي إلى الواجهة بقوة ، أصبح هادي جسر المرور الوحيد الذي لن تمر المملكة إلا من خلاله ... إعادة الشرعية لليمن ، شعار الحرب الظاهر ، الذي تستطيع من خلاله المملكة إعادة ترتيب خارطة اليمن السياسية والجغرافية وفقا لمصالحها ، والحد من نفوذ الجماعة الموالية للعدو اللدود طهران ، وضمان بقاء اليمن مقلبا خاصا بها تكب فيه كل نفاياتها .

لن يمروا إلا من خلال هادي ، أنه حظ هادي الذي يكسر الصخر ، لم يحسن هادي استغلال الفرصة الذهبية ، ولم يرتق أدؤه السياسي إلى مستوى اللحظة التاريخية ، ربما بسبب إيمانه المطلق بنظرية ال 55 و45 نظرية الحظ والأداء التي يرددها هادي في كل مقابلاته .

دخل هادي عامه الثالث في الرياض ، ليجد نفسه وجها لوجه مع القوى التي كانت حوله في صنعاء ، لا هي غيرت نظرتها إليه ولا هو غير أسلوبه في التعامل معها .

ظل هادي واقفا في نفس المربع الذي كانت تقبع فيه اليمن حين إنطلاق العاصفة ، لم يتغير أدؤه السياسي بالرغم من تسارع الأحداث التي شكلت واقعا جديدا على الأرض غير المعادلات القديمة ، وظهور قوى صاعدة جديدة ، أهمال هادي للقوى الصاعدة ( المقاومة ) الخطأ الذي سيعض عليه هادي أصابع الندم مابقي من حياته .

لوكان هادي يملك من الدبلوماسية مايملكه من الصبر وطول النفس لتغلب على كثير من المشكلات التي تواجهه داخل التحالف ، ولكن آحادية الصورة التي لايستطيع هادي تقديم نفسه إلا بها ؛ كتلك التي قابل به أمير قطر ، أو حين رفض مصافحة السفير الإيراني في صنعاء ، لم يستحضر هادي إن هناك أعراف دبلوماسية تبيح له الضحك وتبادل التهاني حتى مع خصومه السياسيين ، الشخصية النمطية لهادي جعلت منه عبئا ثقيلا على دول التحالف ذاتها ، إلا أنه رفيق ما من صحبته بد .

عجز هادي عن تسويق مشروعه السياسي ، بسبب تبنيه قوى لاتؤمن بمشروعه ، وتمارس نفس الدور الذي كانت تمارسه معه القوى التقليدية القديمة في صنعاء وهو ارتشاف الرحيق مع اختلاف المشهد في الرياض قليلا عما كان عليه في صنعاء وهو كثرة المتهافتين على الرحيق ، وتنوع أطيافهم ، ومشاربهم ، ومناطقهم .

تخشب أداء هادي السياسي وتوقفه عند إعادة الشرعية ، والتخندق حول فكرة اليمن الاتحادي دون الشروع في إتخاذ خطوات جادة لتنفيذه على الواقع وفقا للواقع الذي تشكل على الأرض، ساعد على تشجيع أطراف في التحالف على خلق الفقاعات كما يقول تشومسكي لتمرير المشروع الخاص بها دون الرجوع إلى هادي كمظلة للشرعية ، بينما لو حاول هادي الانفتاح على الجميع وإبدى مرونة أكثر لاستطاع خلق تقاطع مصالح مع هذه الدول ومن خلال هذا التقاطع يستطيع إن يمرر هو مشروعه، و هذا أفضل من الطريقة التي هو عليها التي تسير به نحو العزلة داخليا وخارجيا .

جمود الأداء السياسي ، وبطئ الحركة عند هادي ، جعل التحالف أكثر اقتناعا إن هادي أصبح جزءا من المشكلة وليس جزءا من الحل ، وهذا ماتوحي به الإيماءات الخفية ، ويستنتجه المتابع ؛ من أداء التحالف بشقية السعودي شمالا والإماراتي جنوبا من خلال مايقوم به وكلاء الفريقين المحليين على الأرض ، لتعرف مدى التقارب بين هذه القوى التي أصبح تقاربها ظاهرا بالرغم من إدعائها الاختلاف .

ترك الرئيس هادي المجال مفتوحا لأطراف في التحالف لصناعة الفقاعات على أسس مناطقية وحزبية - مارب وعدن نموذجا - فلا مارب كانت نموذجا للمشروع الوحدوي ، ولا عدن نموذجا للمشروع الانفصالي ، ولا المناطق المحررة عموما نموذجا للمشروع الاتحادي ، مما يوحي إن هاديا بدأ غريبا وسيعود غريبا عن بلدتي صنعاء وعدن معا .

مقالات الكاتب