الجنوب... ائتلاف القنابل الموقوتة

دأَبنا على الدعوة إلى الالتقاء الجنوبي انطلاقاً من إدراكنا أهمية هذه الخاصية في انتصار قضيتنا. وبذَلنا جهدنا المتواضع في تنفيذ التكليفات التي أنيطت بنا في إطار لجان التقارب الجنوبية المتتالية التي شاركنا فيها على امتداد مسيرة ثورتنا الجنوبية، والتي كان آخرها اللجنة الفنية التي أنجزت وثائق الفعل الجنوبي الأخير، والتي وضعنا فيها تراكمات الخبرة المتواضعة التي اكتسبناها من خلال مشوار طويل من العمل التوحيدي الجنوبي بغرض تجاوز سلبيات ما سبق من محاولات. 

وفي كل مرة كنا ننتهي إلى قناعة واحدة، هي أن الاختلاف الجنوبي لم يكن يوماً موضوعياً، ولكنه دائماً ما كان يأخذ طابع الاختلاف الذاتي. ورافقنا هذا الانطباع حتى آخر لجنة شاركنا فيها، وهي اللجنة الفنية التي كان من المفترض أن يخرج الفعل الأخير وفقاً لمخرجاتها، لولا الاجتهادات الشخصية في آخر اللحظات، والتي ذهبت به بعيداً عن تلك الوثائق وذلك الجهد المضني.

من أجل ذلك دعونا وما زلنا ندعو إلى التمسك بضرورة اعتناق الحوار الوطني والشفاف للخروج من اختلافاتنا الذاتية. ولا ننكر أن الآمال راودتنا بالتغييرات التي أعقبت الحرب، ورسمنا أحلاماً وردية رأينا من خلالها أن هدفنا الرئيس بات قاب قوسين أو أدنى من التحقق، فجاءت سلسلة أخطاء تاريخية أعادتنا إلى ما دون المربع الأول فيما يخص الالتقاء الجنوبي.

أخطأت الشرعية بعنصرها الجنوبي في أول الأمر عندما اعتقدت، مدفوعة بغرور قوة «التحالف» الذي يساندها، أنها في غنى عن التحالف مع الآخر الجنوبي، وأنه إذا ما أراد المشاركة فعليه أن يكون تحت ظلال رايتها والقبول بتبعيتها في نسقها العسكري والسياسي. وفي المقابل، أخطأ البعض الجنوبي عندما قبل بأن يكون ملحقاً للشرعية دون أدنى ضمانات، وأخطأ أيضاً عندما عمل تحت رايتها ولم يستغل الهامش الذي سمح له بالتحرك فيه لتقييم مواقفه وتوحيد صفوفه وكسب أنصار يدعمون خطه وأهدافه، خصوصاً أنه استلم المواقع الأولى في محافظات الجنوب الهامة، عدن ولحج وحضرموت وغيرها. 

وأخطأ مرة أخرى هذا البعض عندما سقط في نفس مطب سقوط الشرعية، وهو الغرور والاستقواء بالدعم الخارجي، وذلك حين ظن أنه قد كسب المعركة مقدماً طالما كسب تأييد أحد أطراف التحالف، وبالتالي فإن على بقية القوى الجنوبية أن تقبل بالالتحاق كتابع في نسقه السياسي والعسكري.

وأخطأ مرة ثالثة ذلك البعض حين حاول إحراق المراحل والقفز على الواقع. وبدلاً من أن يسعى أولاً إلى حوار جنوبي ثوري وطني يقود إلى توافق على قيادة تمثل الحراك الجنوبي ومقاومته، وتتحمل مهمة إقامة حوار ندي مع بقية القوى السياسية التي تشاركنا الوطن الجنوبي، ذهب هؤلاء البعض إلى تعيين ممثلين لهذه القوى في إطار قيادة لم تلتزم المعيار الوطني ولا السياسي في التمثيل، الأمر الذي حول تلك الاختيارات إلى قنابل سياسية موقوتة سيعود ضررها على الجنوب وثورته وأمنه واستقراره في قادم المراحل.

 

من ينظر إلى تشكيلة الفريق المختارة للقيادة، طبعاً بعد استثناء «الحشو» فيها، ستظهر أمامه تشكيلة من المتناقضات أهدافاً وفكراً. 

هذه المتناقضات ستكون بمثابة مشاريع صراع قادمة لا تختلف كثيراً عن مشاريع الصراع في ثورتنا الأولى، إذا لم تقم على أسس وحوارات وتفاهمات واضحة من الآن. وقد يكون صمت الأطراف في هذه المرحلة لأسباب مرتبطة بوعود الداعم بتخليص طرف من آخر في مراحل لاحقة، أو أن هذا الصمت يرتبط بعملية حشد واستعداد للمواجهات القادمة بين تلك الأطراف.

والمخرج الوحيد، من وجهة نظري، من كل ذلك، يكمن في إعادة النظر في كل ما أعلن عنه، والعودة إلى مؤتمر جنوبي مهمته التوافق حول قيادة تمثل كل الطيف الوطني والسياسي الجنوبي الثوري، تضطلع لاحقاً بإدارة حوار جنوبي مع بقية القوى التي تشاركنا الساحة الجنوبية سياسياً وثورياً وتختلف معنا في الأهداف، على أن يقوم هذا الحوار على أساس التمثيل لكل هذه القوى، ويفضي بالمقابل إلى قيادة وطنية جنوبية مؤقتة تتفاوض مع الأطراف الأخرى إقليمياً ودولياً.

مقالات الكاتب