الحوار الجنوبي وشروط نجاحه

تفاعلاً مع تصريح لنا بشأن دعوات الحوار الجنوبي الجنوبي التي يجري الحديث حولها هذه الأيام تواصل معنا الكثير من المهتمين بهذا الشأن، وكان البعض متسائلاً والبعض مؤيداً، والبعض معاتباً، والجميع متفقون على ضرورة الحوار الجنوبي-الجنوبي، ويعتبرونه المعركة الجنوبية الحقيقية التي تسبق في أهميتها أي معركة أخرى.

في الحقيقة إننا نرى أن دعوات الحوار الحالية لا ترتقي إلى مستوى القضية وأهميتها، ولا الى مستوى أهمية الدعوة ذاتها؛ فلا زال هناك الكثير من القصور والأخطاء والتجاوزات التي تقف حائلاً دون الوصول إلى حوارٍ جنوبي صادق وحقيقي، يخرج أبناء الجنوب من حالة التشرذم التي تعصف بهم اليوم، ويصل بهم إلى توافق يظهرهم موحدين أمام الإقليم والعالم.

كانت هناك حالة رفض واضحة من بعض المكونات الجنوبية الحديثة التكوين لمجرد فكرة الحوار الجنوبي-الجنوبي ومع تغيير معطيات الواقع واتساع رقعة القوى الرافضة للتفرد والإقصاء والرافضة لإعادة تكرار التاريخ رضخت تلك المكونات للقبول بفكرة الحوار، ولكنها عادت مرة أخرى لممارسة التعطيل بوسائل أخرى حولت الدعوة إلى الحوار إلى دعوة للاستقطاب وممارسة دور الوصاية واتخذت من القفز على الأولويات مسلكا!
تحدثنا مراراً حول الحوار الجنوبي-الجنوبي، وأهميته والأسس التي يجب أن يقوم عليها، وأوضحنا إلى جانب الكثير من القوى والآراء الجنوبية، موقفنا من التمسك بتلك الأسس وتحذيرنا من أي حوار يقوم على اساس الاستقطابات وتمزيق الممزق من القوى الجنوبية، وانتقدنا طريقة اختيار عناصر الحوار من على هامش التباينات الداخلية للقوى الجنوبية لإدراكنا بأن كل القوى الجنوبية، قديمها وحديثها، تعاني من حالة عدم استقرار داخلي وفيها الكثير من التباينات والصراعات فإذا ذهبنا لتوظيف تلك التباينات فيما بيننا فإننا لن نسهم في إنجاح اي حوار بقدر إسهامنا في ميلاد مكونات جديدة!

من أساليب التعطيل المبتكرة والمرافقة للدعوة الجديد ، الحديث عن تشكيل «وفد تفاوضي جنوبي» يسبق أي فعل جنوبي تقاربي، وفي اعتقادي أن الحديث عن هذه الخطوة قبل الحديث عن «مؤتمر جنوبي» يجمع القوى الجنوبية ويخرج بقيادة توافقية ووثائق تحدد الأهداف والوسائل للوصول إليها وتضع مخارج وحلول للتباينات الجنوبية القائمة وتقر لائحة تنظم عمل تلك القيادة وتحدد مسؤولياتها، وكيفية تدوير تلك المسؤوليات، هو حديث من وجهة نظري يحمل الكثير من «الفهلوة السياسية»، ويصب في خدمة توجهات وأحلام بعض الأطراف ويزيد من كمية المواد المتفجرة في أعطاف التصدعات الجنوبية، بحيث نجد أنفسنا مستقبلا أمام انفجار لا يمكن لنا احتماله ومواجهة أضراره، فكلنا يعلم أن صعوبة عقد المؤتمر الجنوبي، عائدة إلى أسباب الاختلافات والتباينات الجنوبية الواضحة، وبالتالي فالأجدر بنا إيجاد حلولا لتلك الاختلافات والتباينات، وليس الهروب إلى الأمام من خلال الحديث عن تشكيل «فريق تفاوضي جنوبي» !!

وفي رأيي إن أي حوار جنوبي، لا يقوم كخطوة أولى على التمثيل الوطني للمحافظات الجنوبية الست، وفقا للمساحة والسكان، ويجبر الكسر والضرر الذي لحق بالمجتمع الجنوبي على مدى العقود الماضية، والذي تقريبا أنهى كل أشكال المرجعيات في الجنوب ومركزها جميعها في إطار مرجعية واحدة هي «الحزب الاشتراكي اليمني» الذي أتى عليه الدور لاحقاً، وانهاء نفسه تلقائياً بتوقيعه اتفاقية الوحدة اليمنية غير المدروسة وغير المتكافئة، التي أقصته وقضت على وجوده وبات الجنوب بعد ذلك لا مرجعية له، هو حوارا غير مجد بل أنه أقرب إلى عملية ترقيعيه ستستهلك وقتا نحن في أمس الحاجة إليه، ولن تفضي إلى أي تقارب جنوبي!

مقالات الكاتب