الحرب اليمنية الأسباب والمآلات

تُعَدُّ حرب اليمن المشتعلة منذ خمس سنوات حالة من حالات الصراع الدولي المفتعل الذي تداخلت فيه المصالح الاستراتيجية لقوى الصراع العالمي بأوهام الدول الإقليمية ، فكانت اليمن المصب الذي ألتقت فيه روافد المصالح الدولية بروافد الاوهام الإقليمية ، وعلى ضوء ذلك تم اختيارها بلدًا مضيفـًا لتصفيت الحسابات بين القوى الدولية .
تُمثَّل الحالة اليمنية نموذجًا مصغرًا للحالة الأفغانية في ثمانينيات القرن الماضي حين قررت القوى الدولية إنهاء الحرب الباردة،وتسوية الكثير من الملفات التي ظلت عالقة بين قطبي الصراع العالمي حينها، لإعادة تقاسم مواطن النفوذ،والتموضع العسكري وفقًا للمتغيرات الجديدة نتيجة لتأكل المنظومة الإشتراكية من الداخل،فتم اختيار أفغانستان لتكون البلد المضيف لنهائيات الحرب الباردة ، بحكم قربها من الاتحاد السوفيتي مستغلةً حالة الفراغ السياسي الذي شهدته أفغانستان نتيجة لسقوط النظام الأفغاني الموالي للاتحاد السوفيتي حينها، فألبت الولايات المتحدة الأنظمة العربية والإسلامية في تحالف عسكري غير معلن،لإشعال حرب ضروس ضد الاتحاد السوفيتي ،حرب سعرت بأموال عربية، كان وقودها الشعب الأفغاني،وشباب الدول العربية والإسلامية فيما عرف بموجات المجاهدين العرب،حتى إذا ما اختمرت خميرة المصالح الدولية،ونضجت التسوية بين أطراف الصراع العالمي،ذهبت الأموال العربية أدراج الرياح،وعاد المجاهدون العرب والمسلمون إلى بلدانهم ليجدوا أبواب سجون الأنظمة العربية والإسلامية التي أرسلتهم مفتوحة لاستقبالهم ،فلا دولة إسلامية تركوها المجاهدون خلفهم،ولا مصالح استراتيجة حققها العرب والمسلمون نظير ما التهمتها جبال أفغانستان من أموال ورجال لأكثر من عقد من الزمان .

ما أشبه اليوم بالبارحة ! من يعقد مقارنة بين الظروف والأسباب الموضوعية بين النموذج اليمني والأفغاني سيجد الكثير من أوجه التطابق بين النموذجين ،من حيث التوظيف الإيدلوجي للحرب ، والطبيعة الجغرافيةللبلدين ،والتركيبة الديمقرافية للشعبين،وأهمها الجهل والفقر وفراغ السلطة ، بالإضافة لصراع المشاريع السياسية القائمة على التخندق العرقي والمذهبي والقبلي والمناطقي،التي جعلت مكونات المجتمع في حالة احتراب دائم ، فأدت هذه المشاريع العصبوية إلى تمزيق النسيج الاجتماعي بسبب التركيبة الاجتماعية القائمة على الولاء القبلي والمذهبي والجهوي، وغيرها من عوامل التخلف التي تصل أحيانًا إلى درجة التطابق كالعادات الاجتماعية المنحرفة التي لاتجدها إلا في اليمن وأفغانستان، كزراعة الحشيش وتعاطية في افغانستان وتهريبه منها لمختلف دول العالم، وزراعة القات وتعاطية في اليمن وتهريبه إلى دول الجوار .

ما أشبة اليوم بالبارحة ! كانت الحرب اليمنية بمثابة الفخ الذي نصبته قوى الصراع الدولية ، لفريستها السمينة المملكة العربية السعودية، واختارت مكانه بعناية (اليمن) البلد الفقير ذات الطبيعة الجغرافية المعقدة، والتركيبة الاجتماعية المثقلة بالصراع منذ عهود ممالك اليمن القديمة منذ ثلاثة ألف سنة قبل الميلاد .
ألتقمت المملكة الطعم ،وسأل لعاب جارتها الإمارت ،حين اختزلت اليمن في ميناء لم تستفد منه اليمن نفسها، وممر مائي هو في حكم الوصاية الدولية غير معلنة،وبضع جزر استراتيجية أتفق الوصاه الدوليون على أن تظل خالية من أي تواجد أو نفوذ ،أشبه بمناطق منزوعة السلاح ، إذا لم يجرؤ الدُّب الروسي في عنفوان قوته ، وقمة وصايته على جنوب اليمن أن يقيم أي قواعد عسكرية في هذه الجزر ،أو بالقرب من الممر الدولي ،فهل سيجرؤ من هو دونه على فعل ذلك؟
هبَّت العاصفة قبل خمس سنوات،لتجد المملكة نفسها تقود حلفََا من توليفة سياسية متناقضة أشبه بالمواد المتفجرة ،كلما حاولت جمعها انفجرت لتعود إلى طبيعتها الأولية التي كانت عليها في وضع أصلها،ومع كل تفاعل من تفاعلات جمعها تولَّد انشطارًا جديدًا ؛ لا يزيد هذه التوليفة إلا تنافرًا وتشظيًا ،ولا يزيد المهمة العربية إلا تعقيدًا وصعوبة،دخل التحالف العربي لإسقاط انقلابًا ليجد نفسه بعد خمس سنوات أمام انقلابات متعددة،وجاء لاستعادة عاصمة واحدة ليجد نفسه بعد خمس سنوات بحاجة إلى استعادة ثلاث عواصم ، وجاء قبل خمس سنوات لاستعادة شرعية دستورية واحدة ليجد نفسه بعد خمس سنوات أمام شرعيات متعددة مابين دستورية ثورية ،بعضها يعلن العداء للتحالف جهارًا،والبعض الآخر يسر العداء له إسرارًا .

لتجد المملكة نفسها بعد خمس سنوات كالملاح التائهة في عرض البحر ، الذي لايعني له البقاء سوى الغرق،فلا اهتدى إلى طريق اليابسة، ولا استطاع أن يبحر بإتجاه الهدف ،في حين ترقبة أنظار بعض القوى الدولية بنظرة المتشفي الذي ينتظر غرقها،والبعض الآخر يسوَّف ويماطل في مدَّ يد العون لها لأن البقاء في عرض البحر هو الضمانة الوحيدة لابتزازها ، لذا فضَّل أن تظل عالقة بين كثبان الرمال،وفي أعالي شعاب الجبال،بعد أن بعدت الشقة عليها ،فدخول صنعاء مرهون بقرار في أروقة العواصم الدولية،وقرار الخروج مرهونًا في عواصم آخرى .
فهل ستخرج المملكة من اليمن كما خرجت الأنظمة العربية والإسلامية من حرب أفغانستان ؟وهل سيكون مصير أهداف القوى المشاركة في الحرب كمصير غاية المجاهدين العرب في أفغانستان؟ بعد أن تختمر خميرة المصالح الدولية ،وتقرر تسوية الملفات العالقة فيما بينها، فيأذن للمملكة بالخروج بعد أن يتحول إلى غاية وحيدة لها،يترك اليمن ليلقى نفس مصير أفغانستان .

سعيد النخعي
8/سبتمبر/2019م

مقالات الكاتب