على جميع الجنوبيين أن يستفيقوا !

لب المشكلة لدينا في الحراك الجنوبي منذ انطلاق الثورة العظيمة في 2007 هي أمور داخلية أكثر منها خارجية . وقد دأب الكثيرون من أنصار الحراك وقياداته على إلقاء اللوم دوماً على الشماعة الخارجية عند حصول أي كارثة أو ارتكاب أي خطأ حتى لو كان هذا الخطأ مقتل شخص جنوبي بأيدي جنوبية حراكية مثلاً ! . 
وتتنوع هذه الشماعات ما بين حزب الإصلاح التكفيري حد وصف البعض وحميد الأحمر السوبرمان الذي يقف خلف كل ما يدور في الجنوب وعلي محسن الأحمر حامي النظام وآخر من يلقى عليه اللوم ويا للعجب هو الرئيس المخلوع علي صالح وزبانيته. 

نادى الكثيرون بضرورة المراجعة وتقييم المسار وتصويب الأخطاء وفرز وتنقية الصف القيادي على الأقل ولكن هذه الصرخات اصطدمت بجدار من الرفض والتعلل بأنه ليس هذا وقت النقد والمراجعة بل علينا الاندفاع بقوة نحو الهدف على علاتنا وبمختلف مشاكلنا وعند وصولنا وتحقيق الهدف يمكن أن نراجع كل ذلك وشعارهم : يأتي الجنوب وبعدها نسد ! 
ولعل الدافع لمثل هذا التصرف هو ما دأب عليه بعض من اعتلوا منصات ومنابر الخطاب حين بقوا يوهمون الناس بأن الجنوب قريب جداً وفقط بمزيد من الحشد سنستعيد دولتنا بل لعل ذلك يكون في الفعالية المقبلة التي ستأتي والجنوب قد تحرر ! . 
وهذا التسطيح والتبسيط للأمور هو ما قادنا لهذا التخبط وكأننا نواجه مجموعة بدائية ستندحر بكل سهولة لا كما يقول الواقع بأننا نواجه قوى نافذة منظمة متمترسة بثروات ومعسكرات وخطوط اتصال دولية وعلاقات إقليمية ومصالح مشتركة مع شركات جشعة ودول مستغلة لمثل هذه الأوضاع لتعزيز مصالحها. 

سكتنا مع الساكتين عن نقد بعض الشطحات رغبة في عدم شق الصف ومحاولةً لإيجاد صف معتدل وقوى عاقلة تتعامل مع الوضع بسياسة واتزان وفهم للواقع. ولكن هذا السكوت الذي طال أدى لمزيد من الرعونة والاندفاع والابتعاد عن الخطاب التجميعي التوافقي المنضبط , ففشى لدى قيادات المكونات خطاب الشطحات الثورية والسقوف المرتفعة والشروط المسبقة لأي اجتماع جنوبي. وصار البعض يخاف على نفسه إن طرح طرحاً معتدلاً أن يوصف بأنه فيدرالي أو صاحب سقف منخفض! 

وليت الأمور اقتصرت على هذا فحسب بل صار البعض يتحدث باسم الجنوبيين جميعهم ويجزم بأن كل أفراد شعب الجنوب يقولون بما يقوله من خطاب أو شعارات ثورية لا علاقة لها بالواقعية السياسية في استغفال وتسطيح شديدين لم أر لهما مثيلاً إلا في خطابات زعيم نظام صنعاء المخلوع حين كان يتبجح بأن الجنوبيين كلهم مع الوحدة. 
هناك في الجنوب أشخاص كثر ينتمون لأحزاب شمالية المنشأ أو المركز مثل الإصلاح والمؤتمر والاشتراكي والناصري وغيرهم. كما يوجد في الجنوب قبائل وأطياف يميلون حيث مال شيوخهم ورؤوسهم وهؤلاء أهلنا ومجتمعنا ونعرف ميولهم وتوجههم فلماذا نصر على أن هؤلاء الجنوبيين كلهم مع خيار ثوري يخص الحراك ؟!. 

كذلك الإصرار على أن الغالبية العظمى من الجنوبيين الذين يتبنون قضية الجنوب هم مع خيار وشعار بعينه ليس بالأمر السليم, لأننا نعرف أن هناك جزء كبير منهم يطالب بحل عادل لقضية الجنوب وفق رؤى وطرق مختلفة منها مثلاً فك الارتباط وتقرير المصير والفيدرالية المزمنة والمنتهية باستفتاء وغيرها من المشاريع, وكل هذه طرق ووسائل مشروعة من حق أي جنوبي تبنيها . فحصر النضال في طريقة بعينها ووضع الشروط لأي توافق بين الجنوبيين على هذه الطريقة المعينة و إلا لن يتم أي توافق أو أي عمل لهو التطرف والغلو بعينه وهو ما سيعيدنا لمربعات الإقصاء والإلغاء التي أوصلت الجنوب إلى ما وصل إليه في العقود الماضية. 

كان الرئيس العطاس موفقا في مقابلته على عدن لايف رغم الرعونة وعدم المهنية من المذيع الذي بدلاً من أن يسير باللقاء نحو طريق يستفيد منها المشاهد اتجه نحو امتحان صبر الرئيس حيدر ومحاولة فرض رؤيته أو لنقل رؤية مكونه والقناة التي يعمل فيها!. 
كان الرئيس حيدر صريحا في توصيفه للفشل الجنوبي في إيجاد عمل سياسي متقن وشكل تنظيمي منضبط يحمل على كاهله ترجمة الجهود الثورية الرائعة والباهرة لشعب الجنوب. 
وكان صادقاً في دق ناقوس الخطر حيال استحقاقات المرحلة القادمة التي سنواجه فيها سياسة دولية وليس خصماً محلياً فقط. 

ونأمل من جميع الجنوبيين أن يستفيقوا لهذا الخطر ويتجهوا نحو إيجاد عمل سياسي منظم ينتشل قضية الجنوب من هذا الواقع الذي طغت فيه الفردية والعمل الارتجالي والتنافر بين المكونات والقيادات. فصبر الشعب قد بدأ ينفد وستذكر الأجيال أن من فرط بحقوق الشعب هي مكونات وقيادات لم تجعل الشعب وقراره على رأس أولوياتها بل سارت أسيرة لرغباتها واجتهاداتها وشعاراتها فقط. 

أخيراً .. يمكن فهم وضعنا الجنوبي المتخلف سياسياً بالسؤال الموجه من المذيع حين طالب الرئيس عبدربه منصور (جنوبي) والسيد علي سالم البيض (جنوبي) بالذهاب للجامعة العربية للمطالبة بفك الارتباط!

مقالات الكاتب