هل ستكون إثيوبيا أنموذجًا محرجًا للمنطقة؟

أثيوبيا بلد العرقيات المتعددة،والأديان المختلفة،مرت خلال الخمسين سنة الماضيةبنفس التجربة التي تمر بها دول المنطقة،قضتها في أتون الصراعات السياسية،والحروب الأهلية،وظلت مرتعًا للتمرد،والمجاعة،والأوبئة،والفقر.

لاتملك أثيوبيا ما يملكه العرب من مقومات حضارية،وثروات نفطية، وموقع جغرافي متميز،ولاتملك حتى منفذًا بحريًا بعد انفصال إرتيريا عنها.

خلعت إثيوبيا عن نفسها ثوب الصراع والاحتراب،وبدأت ببناء تجربة سياسية جديدة على انقاض تجربتها القديمة القائمة على الإيدلوجيا السياسية،أوالتعصب العرقي،وشرعت ببناء تجربة سياسية تقوم على الديمقراطية،وتحويل مسار السياسة الإثيوبية بإتجاه السياسة الوظيفية التي تقوم على استيعاب مشكلات البلد الاقتصادية،والتنموية،وتطوير التعليم،والانفتاح الاقتصادي،وإقامة علاقات تجارية ،وتعاون صناعي،يقوم على المصالح المشتركة مع الشرق والغرب.

أدركت إثيوبيا التي اقترن اسمها بالمجاعة،والحروب الأهلية أن الحروب لاتصنع حلولًا سياسية،أو اقتصادية،وأن سنوات الصراع التي تُقتطع من أعمار الشعوب لاتخلف سوى الحرائق التي تلتهم الحاضر والمستقبل .

قررت إثيوبيا استبدال النموذج السياسي النمطي الذي لازم المنطقة لقرون خلت،وخوض غمار تجربة سياسية جديدة،تاركة خلفها شعوب المنطقة يستجرون الماضي،ويعيدون إنتاجه في صورة صراعات مذهبية،ونزعات عرقية،وعصبيات قبلية تتدثَّر بثوب الإيدلوجيا حينًا،والمظلومية حينًا آخر بنفس الأساليب القديمة المُستمدة من ثقافة الصراع،والغلبة .

سجلت الدول العربية أرقامًا قياسية في الانقلابات العسكرية ،ولم تقم نظامًا،أوترسي عدلًا،سوى تبادل الطغاة لمفاتيح السجون،ومصادرة حقوق خصومهم المادية والمعنوية .

شهدت البلدان العربية أكثر الحركات الانفصالية،وخاضت هذه الحركات حروبًا مريرة ضد أنظمتها بدعوى الاستقلال والحرية،والكرامة، وحين وصل زعماء هذه الحركات إلى السلطة أعادوا نفس النموذج الذي شقوا عنه عصا الطاعة .

استقلت السودان عن مصر،وظل وضع البلدين كما هو قبل الانفصال، وبعده،واستقلت جنوب السودان عن شماله فتنارحت القوى الجنوبية فيما بينها،بعد انقسام الحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان على إساس قبلي، وهي الحركة ذاتها التي قاتلت من أجل استقلال جنوب السودان عن شماله منذ عام 1983م حتى 2011م ،فتبخرت أحلام الجنوبيين في الحرية والكرامة التي كان يعدهم بها قادتها .

انفصلت إرتيريا عن أثيوبيا ولم يرَ الإرتيريون تغييرًا في واقعهم وظل الحال هو الحال.

ولاتزال هناك كثير من الحركات الانفصالية في عدد من بلدان المنطقة كاليمن، والعراق،وسوريا،والمغرب تقاتل أنظمة دولها بدواعي تحقيق الحرية والكرامة،لكن بمجرد أن تصل للحكم ستشمر عن ساعد البطش، والظلم،والتنكيل لتسقي معارضيها من بني جلدتها هذه المرة من نفس الكاس التي أسقتها إياه الأنظمة التي تعارضها،وما نموذج كردستان العراق عنا ببعيد،حصل إقليم كردستان على حكم ذاتي،فتحول الإقليم الغني بالنفط إلى إقطاعية خاصة لبيت البرزان،وتحول زعيمه الثائر إلى واحد من أثرياء العالم ،وظل القرار السياسي،ورئاسة حكومة الإقليم حكرًا على بيت البرزاني،كحق تاريخي متوارث، ورثه مسعود عن أبيه،فأورثه لابن عمه رئيس الحكومة الحالي،مصداقًا لمقولة( داخل كل ثائر طاغي مستبد)

حين يكون المشروع السياسي عصبويًا،أو أيدلوجيًا،أوجهويًا فاعلم أنه سيعمل بكل ما أُوتي من قوة على إذابة المجتمع في إيدلوجيته التي يؤمن بها،أو مذهبه الذي يعتقده، وستظل ثماره حقًا مكتسبًا للحزب، أو القبيلة أو الطائفة،أو المذهب مما سيؤدي إلى ظهور حركات تمرد جديدة داخل الطَّيف،وأللون الواحد،ستمارس نفس الأساليب،وستردد ذات الشعارات التي كان يرددها المنتصرون من بني جلدتهم قبل أن يصلوا إلى السلطة،وسيسقيهم حاكم اليوم نفس الكاس التي شربها حين كان معارضًا بالأمس .

مقالات الكاتب