لن يحلق الجنوب عاليا بجناح واحد

يعاتبنا البعض المتعصب لمكونه أو لجماعته أو لقريته او لقبيلته على تكرارنا المطالبة بضرورة عقد مؤتمر جنوبي جامع يقوم على أساس التمثيل الوطني الجنوبي للمحافظات الجنوبية ، ويرى هذا البعض أن دعواتنا تلك لا تمثل في نظرهم إلا تعطيلا للانتصارات التي تجترحها مكوناتهم وجماعاتهم واحزابهم ويطالبنا بالاقلاع عنها  ..!!

في الحقيقة أن تكرارنا لهذا المطلب الهام والمُلح يأتي من إدراكنا بأن لا نصر للجنوب وقضيته في ظل تشظي قوى هذا الجنوب الوطنية  والسياسية والاجتماعية ، والانتصار من وجهة نظرنا لا يكمن في استجرار الدعم من الخارج للاستقواء على بعضنا  كجنوبيين ، ولا للاستحواذ على الجنوب واختطافه من قبل فصيل بعينه ، ولكن الانتصار هو عودة الجنوب إلى أهله وبناء دولتة المستقلة التي تحفظ لاهلها حقهم في العيش الأمن والكريم والمستقر  وحقهم في الشراكة الفعلية في هذا الجنوب ، وتضمن لهم عدم تكرار ماضي الجنوب الدموي التصارعي  ..

ولو أننا تفكرنا في كل انكساراتنا سواء السياسية أو العسكرية الجنوبية فإننا سنجد أن تشرذمنا وتشظي قوى مجتمعنا الجنوبي وخصومتنا ضد بعضنا هي السبب الرئيسي الذي صنع تلك الانكسارات والهزائم ..

فتوقيع اتفاقية الوحدة اليمنية في مايو 1990م دخلها الجنوب ضعيفا  لانها مثلت للبعض  ردة فعل من فصيل جنوبي على فصيل جنوبي آخر حيث ان الاتفاقية أهملت اهم ضمانات الجنوب وأهله والمتمثلة في خيار الفيدرالية المؤقتة التي تنتهي باستفتاء شعب الجنوب على الوحدة واستمراريتها وركزت على شرط غير معلن تمثل في خروج الرئيس علي ناصر محمد ورفاقه من صنعاء كرمز يمثل التيار الجنوبي الاخر ..

وفي معركة السنوات الثلاث التي تلت توقيع اتفاق الوحدة اليمنية والتي كانت أطرافها المؤتمر الشعبي العام  وحزب الإصلاح من جهة والحزب الاشتراكي اليمني من جهة أخرى أيضا كانت الهزيمة عائدة بدرجة رئيسية إلى تشرذم الجنوب وقواه السياسية ، فلو أن الحزب الاشتراكي فرع (الطغمة) قبل بالمصالحة الوطنية الجنوبية التي كنا ننادي بها جميعا حينها مع الحزب الاشتراكي اليمني فرع (الزمرة) لما استطاعت قوى الشمال ارغام الحزب على نقل المعركة اللاحقة إلى أراضيه في عدن بعد انهزامه في صنعاء وعمران وذمار..

ولو أن المصالحة الوطنية الجنوبية تمت وتداوت معها جراح الجنوب وتقاربت قواه الوطنية والسياسية والاجتماعية لما انهزم هذا الجنوب في معركة يوليو 1994م  ولما شهدنا الهروب الكبير لقادة دولة الحزب الاشتراكي اليمني في الجنوب وقيام دولة الظلم العفاشية ...

ولو أن بقايا قوى الحزب الاشتراكي اليمني فرع (الطغمة) قبلت بالآخر الجنوبي في إطارها وشكلت حاضنة لكل قوى الجنوب عند انطلاق الحراك الجنوبي السلمي لما تشرذمت قوى الجنوب الثورية  ولما اصبحت الساحة تحفل بأكثر من سبعين مكون ثوري وسياسي جنوبي ...

  كل ذلك يمثل غيض من فيض من الأسباب التي أدت إلى ما عاناه الجنوب وما يعانيه اليوم وما سيعانيه غدا إذا استمر البعض على سلوكياتهم وتوجهاتهم وأفكارهم التي يرى اصحابها احقيتهم الإلهية في ملك الجنوب وان  كل من يختلف معهم مجرد منازعا على الملك يجب أبعاده !! 

وعودة على بدء فإننا سنستمر دعاة للمؤتمر الجنوبي الجامع الذي يقوم على أساس التمثيل الوطني الجنوبي للمحافظات الجنوبية وفقا للمساحة والسكان والذي يفرز ممثلا وطنيا جنوبيا يحترم مبادىء تدوير المسؤوليات وتقوم هيئاته على أساس الانتخاب من الأدنى إلى الأعلى ويحمل مشروع الجنوب الفيدرالي الجديد الذي يستطيع تجاوز ماضيه التصارعي  ويصنع دولة تخدم الأمة وتدافع عن عقيدتها وسيادتها الوطنية وتحترم التعايش السلمي الإقليمي والدولي وتنبذ الإرهاب والتطرف بكل ألوانه وأشكاله ونكررها هنا مرة أخرى بأن الجنوب لن يستطيع التحليق عاليا بجناح واحد ... 

مقالات الكاتب