حكومة مقاومة

"سأصرخ في عزلتي، لا لكي أُوقظ النائمين. ولكن لتُوقظني صرختي من خيالي السجين!"  محمود درويش

على مسافة 15 كيلو خرجتُ - بعد أيام من الحجر - قصدتُ سوبرماركت لجلب بعض احتياجاتي، المكان مُوحش وكل محلات المول مغلقة، السلالم الكهربائية موقفة، لا يوجد غير المصاعد تعمل، العالم توقف حقيقةً لا كما أتخيل من حجري الصحي، قطعت بي سيارة الأجرة عائدةً ولم يكن في الشارع سوانا، قلت في نفسي :" تبقى قليلاً من الوقت وسألتقي بآدم عليه السلام"، لا أدري لما ذكرته هذه الأثناء ربما لأنه أتى وحيداً إلى هذا العالم وتجاوز وحدته.

قطع صوت أذان العشاء من مذياع السيارة حديثي مع نفسي "يا الله رحماك " رغماً عني تساقطت دمعاتي وأنا أردد كلمات الأذان.

مَوّلاي إنّي ببابك قَد بَسطتُ يَدي مَن لي ألوذ به إلاك يا سَندي؟ بصوت الشيخ النقشنبدي داعبت مسامعي بعد أن صليت المكتوبة في البيت.. أنا ما شأني بكل هذا العالم؟ فلينقذه الذي خلقه، سأمارس اهتماماتي العادية وواجباتي وللبشرية ربٌ يحميها، سأواصل عزلتي ولن أرد على الاتصالات هذه الليلة، وهذا قرار نهائي، بعد رنتين للموبايل أجبت –ونهائي آنفة الذكر راحت لحالها- "معنا برنامج للحديث عن تداعيات استقالات الحكومة ونحب أن تشارك معنا بمداخلة هاتفية " هكذا قال المتصل، بكل برود قلت : "حاضر " لم أتعود على قول لا للأصدقاء وخاصةً في أي موضوع يخص اليمن، وقبل بدء البرنامج تناولتُ ورقة وقلم ووضعت بعض المقترحات لما سأقوله حول موضوع الساعة، منكم لله يا قناة سهيل اقتحمتم عالمي الخاص، للعالم حجر صحي ولي عزلتي الخاصة وحجري الصحي مثلهم.

تحدثتُ عن أهمية تشكيل حكومة مقاومة واستعادة الدولة، مع - أن استعادة هذه لا تروقني - لتكن استرداد أفضل، لم يحضرني لا في لحظة التخطيط في الورقة ولا أثناء الحديث على الهواء سوى تطوير "مبادرة يمنيون" التي قدمها الشباب عشية 26 سبتمبر 2018 وفيها مقترحات منها حكومة مصغرة وتشكيل مجلس رئاسي، وهي مباردة قد تقادم عهدها ولذا دمجتُ الفكرتين معاً في مقترح "حكومة مقاومة" مكونة من الرئيس ونائبه وستة من قيادات المقاومة في الأقاليم اليمنية الستة، ليقد هادي الحكومة بدلاً من جعل الحكومة مجرد مشجب للإخفاقات والملاسنات والمحاصصة.

أعلم أن المقترح لن يُناقش ولن يهم أحد ومع ذلك أنا مُصر جداً على تحريك المياه الراكدة والمتعفنة من الفساد المستشري والضياع الذي يلف كل أرجاء البلاد.

متى تتشكل حكومة الحرب والمقاومة؟ عند سقوط الدولة وخاصة تلك التي لم يكن لديها خطة (ب) حقيقة واقعية ولم تتوقع أن تسقط كل مؤسسات الدولة والعاصمة والمدن.

الدولة اليمنية ليست الدولة الوحيدة في العالم التي تم الاعتداء عليها بالانقلاب، وهناك دول تم الاعتداء عليها من دول أخرى، في القرن الماضي اعتدت النازية على كُلا من بريطانيا وفرنسا، في بريطانيا كان العظيم تشرشل هو من يقود بلده، وهو الذي قال "أُفضل أن أرى لندن مدمرة من أساسها على أن أرزح تحت العبودية" وقد شكل تشرشل في 10 أيار 1940 الوزارة التاريخية –وزارة الحرب - من الساسة والعسكريين، وزارة هنا تعني حكومة وعلى أثرها قال" سنقاتل على سواحلنا، سنقاتل على تلالنا، سنقاتل في مدننا وقُرانا، ولن نستسلم أبداً " وبالفعل تحطمت النازية عند أسوار لندن، حارب تشرشل النازية والفاشية والشيوعية ودعا للديمقراطية.

 في فرنسا قاد ديجول مقاومة بلاده في الحرب العالمية الثانية، في عام 1943 ترأس اللجنة الفرنسية للتحرير الوطني والتي أصبحت في حزيران 1944 تسمى بالحكومة المؤقتة للجمهورية الفرنسية. وهو الذي قال "أيها الفرنسيون لقد خسرنا معركة لكننا لم نخسر الحرب وسوف نناضل حتى نحرر بلدنا الحبيب من نير الاحتلال الجاثم على صدره"  وفي خطابه المشهور في 18 يونيو 1944 من هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي قال : "هذه الحرب لا تقتصر على خسارة إقليم في بلادنا، هذه الحرب لم تنته بخسارة معركة فرنسا، هذه الحرب هي حرب عالمية واسعة، أياً كان ما سيحدث، فإن شعلة المقاومة الفرنسية لا يجب أن تنطفئ، ولن تنطفئ" ومن لندن شكّل ديغول حكومة فرنسا الحُرة المتحالفة مع الحلفاء في مواجهة حكومة المارشال بيتان التي تحالفت مع الألمان واتخذت من مدينة (فيشي ) مقراً لها. لم يهتم ديجول بهذا الانقسام والحكومتان بقدر ما اهتم بالمقاومة التي نجحت في كسر النازية. 

هذان نموذجان صالحان ليُنظر إليهما كل يمني حر بتمعن، لتنظر لهما الأحزاب والشرعية ومجلس النواب وكل النخب، علينا أن نتخلص من الوهن الذي أعطب كل مقدرات البلد، هذا عصر الفيروسات، عصر فيروس الهاشمية السياسية وعصر كورونا، العالم يواجه كورونا وشعبنا يواجه الهاشمية السياسية وكورونا، الفيروسات قد تصيب الجسد وترهقه لكن مناعته كما يقول الأطباء تنتصر بنسبة عالية جداً، ولذا حكومة المقاومة ستنتصر إذا اُزيح النطلات من الواجهة كلهم بلا استثناء، البلد لا يحتمل الفاشلين ولا الانتهازيين ولا التافهين، مع أن هذا هو عصر النطلات والتفاهة في مختلف المجالات وفي مختلف الدول - انظروا كم من حكام اليمين الشعبوي النزقين يحكمون من الدول اليوم-  إلا أننا في اليمن لدينا نماذج مقاومة مُشرفة، لدينا شباب يتطلعون لبناء الدولة ولن يهزمهم انقلاب ولا مؤامرة، بهم يمكننا أن نثق ونغامر.

لم أتحدث عن تفاصيل المقترح كما كتبته لحظتها وهنا أضعه بين أيديكم وحتى لا يُقال أننا جميعاً لم نقدم مقترح ولم نفكر في الحل للمعضلة اليمنية؛ تتشكل الحكومة بعد الرئيس ونائبه من ست حقائب وزارية وهي : الدفاع، الصحة، الخارجية، التعليم، المالية، العدل. تُوزع على ستة وزراء يمثلون الستة الأقاليم؛ وزير الدفاع من أقليم أزال، وزير الصحة من إقليم حضرموت، وزير الخارجية من إقليم الجند، وزير التعليم من إقليم عدن، وزير المالية من إقليم سبأ، وزير العدل من إقليم تهامة. 

تتبع كل وزارة عدد من الهيئات التنفيذية على المستوى الميداني؛ وزارة الدفاع تتبعها الهيئة الوطنية للأمن العام والهيئة الوطنية لأمن الدولة، والهيئة الوطنية للإعلام الحربي. وزارة الصحة تتبعها هيئتا الدواء والبحوث الطبية، والخارجية تتبعها هيئة التخطيط والعلاقات الدولية، والتعليم تتبعها ثلاث هيئات هي التعليم العام والعالي والمهني، والمالية تتبعها هيئتان هما هيئة التموين والتجارة وهيئة الاستثمار، وزارة العدل تتبعها هيئات القضاء والأوقاف والنيابة العامة وهيئة المحاكم المتخصصة.

هل يفعلها هادي وكل مُكونات الشرعية، أم سيُحملّون الدكتور معين أخطائهم ويبحثون عن غيره ليتحمل أعباء المرحلة القادمة؟ لا يوجد لدينا متسع من الوقت فالوباء الحوثي ووباء كورونا لن ينتظرا الكثير من المشاورات والمراجلة والمفاصلة والمحاصصة، نحتاج قفزة واحدة إلى الأمام قفزة واحدة يا هادي فقط، وسيلتف خلفك الشعب كله بلا استثناء من صعدة إلى المهرة ومن الطوال إلى سقطرى.

مقالات الكاتب