حماية "الفكرة" بالإرهاب

كثير من القادة عبر التاريخ يبدأون نضالهم لتحقيق فكرة محورية ذات أهداف سياسية واجتماعية ومعرفية ، منطلقين مما توفره لهم ملكاتهم الذهنية والفكرية من قدرات . 

وقد يكون الحماس للفكرة عاملا حاسماً في صياغة الجانب المعنوي الملازم لهذا النضال . والحماس سيف ذو حدين ؛ وأخطر حد فيه هو التعصب . 

ولذلك فإن الداعي لأي فكرة يجب أن يحصن نفسه من التعصب ، لأن التعصب لا يوفر  شروط البحث والمحاججة والمجادلة للدفاع عن فكرته وإثرائها . كما أن التعصب لا يمكنه من قراءة غيره قراءة موضوعية ، فيحول فكرته الى فكرة صدامية .

على منشيء الفكرة أن لا يسلمها لأدوات غاشمة بهدف حمايتها ، لأن هذه الادوات ستسحق أول ما تسحق في طريقها منتسبي الفكرة ذاتها من أصحاب الرأي . 

تقول كثير من التجارب أنه بمرور الوقت ، وتوسع النشاط ، وتنوع الاتباع ، وتعاظم الوسائل والأدوات فإن الاهداف تكبر وتأخذ في الاتساع ، وتنضم الى الفكرة عقول تسهم بخيارات وأراء لم تخطر على بال المؤسس ، وتدريجياً يجد هذا المؤسس أن فكرته قد تضخمت وأصبح هو نفسه صغيراً أمامها  ، ولمزيد من تصغيره يتم تسويق الضرورات الحاسمة لحماية منظومة الفكرة من أعدائها بالسلاح  .. وتتحول هذه الضرورات الى قوة مادية قاهرة ، وحراس أشداء ، يسحقون كل من يتطاول عليهم ، لا على الفكرة ، من داخل منظومة الفكرة نفسها . وبذلك تصبح الفكرة تحت رقابة صارمة وغاشمة من قبل حراسها ، ويكون منتسبوها من أصحاب الرأي في مقدمة الضحايا . 

ويجد القائد المؤسس نفسه غريبا ، بل ومهمشا ، وغير قادر على مقاومة الجموح الذي يغري "حماة" الفكرة بإعادة بنائها بمقاييس ومعايير تتجاوز موضوعها القديم . ولتجاوز هذا المأزق ، تحول بعض هؤلاء القادة إلى طغاة وقتلة ، وداسوا على الفكرة بأحذية الحراسات التي خلقوها لحماية الفكرة ذاتها .

التاريخ السياسي مليء بهذه التجارب التي يعاد انتاجها بأشكال مختلفة دون أي اعتبار لما يقدمه هذا التاريخ من عبر . 

وكان أول من حرك مسار التاريخ في هذا المنحى هي الفاشية التي أسست المخزون الايديولوجي الذي ظل يرفد هذا النوع من الافكار بأهم عنصرين لمثل هذا الانحراف؛ وهما :

التعصب ، وحماية "الفكرة" بالسلاح والارهاب .

مقالات الكاتب