فضاء الحجرية

 لماذا يصر البعض - اليوم - ليتحدث عن الحجرية بطريقة الاستعداء عليها ؟ و لماذا هذا النحيب من البعض بطريقة الندّابة المتثاكلة ؟ و كيف لم يعرف - هذا البعض - من الحجرية إلا مدينة التربة - فقط - بينما الحجرية أكثر من تسع مديريات؟

ألا تستحق حيفان و الأعبوس و الأعروق و القبيطة ... البكاء !؟  أم أن الحوثي صديق حميم للمتباكين !!؟

أحرار الحجرية منعوا - مبكرا - سقوط التربة، منذ أن أخذوا مواقعهم لحمايتها من منطقة الضباب/ المسراخ .. الى رأس هيجة العبد حتى لا تسقط و لا يسقط الخط الرابط بعدن، و سلو يومي 23 و 24 مارس 2015م. ؟

و إذا كان هناك من غَيْرة و حَمِيّة حقا - و ما أظن أن المتباكي يحملهما - فَلِمَ لا تدعون لاصطفاف الجميع لتحرير حيفان و الأعمور و الاعروق ... و هي من الحجرية ما دمتم فقط تئنّون على الحجرية !!؟؟

النفخ في الرماد لا يشعل وهجا، بل يسبب العمه على البصر و البصيرة ؛ و الحجرية منطقة ألفت التمدن و التنوّر منذ وقت مبكر ، بل ضارب في الزمن،  حتى مسمى المشيخ كان متمدنا مستنيرا ؛ لأنه ابن بيئته التي سادها و شاع فيها التمدن .

و الذين يستغفلون ثقافة َمدنيةٍ ضاربة، و سلوكا فكريا راسخا في التمدن، و يذهبون للاستعانة بطريقة مشيخية و قروية قديمة و متخلفة، إنما ينفخون في رماد ؛ لأن تلك الصورة المتخلفة - التي يسعى لها بعض الموتورين بغرض التمزيق - لا توجد في الحجرية،  بل لا توجد في تعز ؛ و إنما توجد في ذهن شخصيات مصطنعة أفرزها زمن الغفلة .

بمعنى أدق و أوضح : تعز عامة، و الحجرية خاصة تجاوزت الطرق القبلية المنغلقة، و الفهم القبلي المتعصب، ودور المشيخ الذي يفكر للمجموع .

الحجرية فضاء واسع، لا يمكن لدعوات قروية أن تقزمها بحيّز ضيق، أو عقلية أضيق، فأفقها أفق اليمن الكبير.

و من العيب كل العيب، بل من الجرم، أن يأتي من يحاول النبش في الماضي البعيد ؛ لإحياء وسائل عفى عليها الزمن و لا تعرفها المنطقة بهدف تمزيق المجتمع، و ضرب مدنيّته و تمدّنه، و توزيع المجتمع إلى طبقات ؛ عودا إلى ثقافة الإمامة المتخلفة .

لقد أصبح العلماء و المثقفون و المشائخ و الوجاهات و الأعيان و التجار و المزارعون و العمال و المرأة و الشباب و الحرفيون و المؤثرون .. الخ. شرائح اجتماعية متماسكة، على أرضية واحدة مشتركة، و قيمة كل فرد - منهم - ما يحسنه، و ما يقوم به من واجب.

قال لسان حال الموتورين المتباكين : أن هناك حشد لإسقاط الحجرية !! و لست أدري لماذا الزج باسم الإصلاح ؟ بينما ابتلع المتباكون ألسنتهم من عودة ضابط كبير ليعلن انضمامه للحوثي بعد أن كان قائدا مهما في ساحل المخاء، و تحت هذا الغطاء سكن في التربة.

لهذه السطور أن تقول بالفم المليان : نعم كان هناك حشد، و كان حشدا عظيما و متميزا !

كان هناك حشد كريم يوم 24 مارس 2015م.الى مدينة التربة التي كانت مليشيا الكهنوت الحوثية قد فرضت نقاطا مسلحة على مداخل المدينة و حواليها بغرض السيطرة على المنطقة، و السيطرة على الخط الرابط بين التربة و طور الباحة/ عدن .. فجاء ذلك الحشد الكريم بمسيرة جماهيرية تم فيه طرد و كنس الحوثيين من التربة ومن كل مديرية الشمايتين، و كان ثمن ذلك أربعة شهداء و عشرة جرحى.

كان هذا الموقف الذي سجلته الحجرية قبل عاصفة الحزم .

و من باب العتب على نافخي الرماد اليوم، و المتباكين مؤخرا، و من باب التذكير لهم، لم يكن أحد منكم حاضرا في المنطقة، و كان الكبار منكم قد غادروا اليمن ، و نلتمس لهم العذر - حتى يوم أن انشغلوا عن البلد و هي في أحلك ظروف المقاومة و الكفاح - فلم يكن لهم أي موقف داعم، إعلامي أو سياسي أو معنوي للمنطقة، و أما متوسطو الحجم، فقد شدوا الرحال إلى صنعاء ؛ لأن قيادتهم فضلت التحالف مع الحوثي، و حتى بعد أن قام الحوثي بتصفة قيادتهم صمتوا ، و بدلا من أن يأخذوا بما أعلنته قيادتهم من ضرورة الثورة على الحوثي، إذا بهم يديرون ظهورهم للحوثي، و يوجهون سهامهم ضد الإصلاح في موقف يدعو للرثاء و الشفقة .

الواجب الأخلاقي يفرض على هذه السطور أن تلتمس لهم أعذارا، و أن تفترض أن لهم ظروفهم التي منعتهم من أن يصطفوا في خندق المقاومة، أو أن لهم حساباتهم التي أقنعتهم باتخاذ تلك المواقف، لكن لم يعد لهم اليوم أي عذر من أن ينحازوا بصراحة و شجاعة و وضوح للشعب و الوطن.

إن أعجب ما في الأمر أن الحوثي سَلِم منهم، و أمِن جانبهم، و لم يسلم من ألسنتهم و استعدائهم مَنْ تصدى و يتصدي للحوثي و يقاومه !؟

ما ذنب الحجرية اليوم أن يتم تشويه صورتها؟ ما مصلحة من يبلبل لضرب نسيجها الاجتماعي المتعدد الأطياف و المتجانس منذ زمن ؟ ما مصلحة المنطقة في سعي البعض لإحداث شرخ و انقسام مجتمعي  فيها ؟

نعم، و للتأكيد ألف مرة ، لقد تم الحشد إلى الحجرية من كل قراها و محلاتها يوم زحفت عليها مليشيا الحوثي إلى مشارفها الغربية في الكدحة و جرداد بني عمر و العلقمة و راسن،  و تم الحشد إلى عمقان قدس و الأحكوم و الأكبوش .. و تم الحشد إلى هيجة العبد و الأشبوط .. و غيرها.. و كان -  و ما يزال - حشدا كريما يؤدي الواجب و يقوم به دون منٍٍّ على أحد .

هل من الإنصاف - عند أولئك الذين قلنا أنهم- ربما - حكمت عليهم الظروف، أو أخطأوا في حساباتهم، فغادروا البلاد و توقفوا عن التصدي للحوثي قولا و عملا، بل حالفوه - أن يأتي بعضهم اليوم ليتنكروا للمقاومة و يشوهوا مواقفها، و أن يتهموها بشتى التهم !؟

ان من يسعى لإحداث انقسام في المنطقة أو المحافظة تحت غطاء مزاعم الحرص، و التباكي الكاذب ؛ إنما يخدم أجندات مشبوهة تخدم الحوثيين . و أما الحريصون حقا و صدقا على المنطقة و على اليمن،  فقد أثبتت المواقف حرصهم و حبهم يوم أن بذلوا الدماء و الأرواح و كل ما يملكون لمواجهة المشروع الكهنوتي منذ ساعات المواجهات الأولى  - و مايزالون يبذلون حتى اللحظة .

مادمنا على أرضية مشتركة،  و على ظهر سفينة واحدة، دعونا نتجاوز منغصات الماضي، و تعالوا إلى موقف سواء، نوحد فيها الصف،  و نعزز الاصطفاف ؛ لمواجهة المشروع الظلامي للكهنوت الحوثي الذي يستهدف الشعب و الوطن، حاضرا و مستقبلا، و هيا نكبر إلى مستوى أهداف الوطن، فالقروية، و المناطقية طموحات الصغار، و أهدف الأقزام، و المناكفات و تصفية الحسابات إنما هي بضاعة المفلسين .

مقالات الكاتب