لعبة الحرب في اليمن (١١)

ضربت الانظمة العربية الثورية بلا اشتثناء في عقر دراها وتتابع سقوطها وسط حالة من الذهول والاندهاش التي لم يصدقها العقل العربي، وان صفقت لها العاطفة غير العابئة بمآلات الامور وكوراث نهاية الثورات التي صنعتها الشعوب العربية المغلوب على امرها من لحمها ودمائها وقوت اولادها، واليوم تتساقط كوارق الخريف، لتصبح اثر بعين في اوطانها وحياة شعوبها التي جرى بقدرة قادر تغريبها عن ثوراتها التي اشبعتها من دماء رجالها الاحرار. 

وحريا بمراكز الابحاث السياسية التصدي بكل شجاعة لدراسة حالة الانفصام الحادة التي طرأت على علاقات الشعوب العربية بثوراتها والتعمق في معرفة الاسباب الحقيقية التي خلقت جفوة غير مسبوقة بينهما يمكن وصفها بالقطعية الفعلية وسبر اغوار اشكالية انهيار الوعي الثوري الحامي لهذه الثورات التي تركت تواجه مصيرها غير المتوقع والانفراد بها واحدة بعد اخرى وكأنها قطيع من الاغنام  افترستها اسود المتغيرات.

مراكز الابحاث تتحمل مسؤوليتها العلمية والوطنية والتاريخية في الصمم الفكري الذي اصاب عقولنا وافقدها المنطق السليم في التعامل مع المتغيرات التي عصفت بالبلدان العربية وثوراتها الوطنية، وتركنا عالة على افكار الاخر الاجنبي الذي على اهميتها،كانت ممعنة في استفزاز مشاعرنا القومية ومواجهتنا بالحقيقة التي نهرب منها، حكومات وشعوبا وافرادا، ورميها علينا كالصواعق المحرقة مما ضاعف من هزيمتنا امام انفسنا وامام تاريخ ثوراتنا العربية. 

وغياب مراكز الدراسات عن تناول هذه الظاهرة في ابحاثها من الاسباب التي اصابتنا في مقتل،وان تتحمل الانظمة العربية وزر تخلف هذه المركز عن قيامها بواجباتها ووظائفها الفكرية والبحثية وتحويلها بصورة مخزية الى جوقة مرادفة للصحافة العريية الجوفاء التي خلقت لممارسة مهمتي المدح والقدح في القادة والتابعين لهم من الحاشية والعوام وتخليها هي الاخرى عن دورها الاستراتيجي في بناء الوعي الوطني والقومي وتجديد بنيات تركيباته المعرفية. 

ولتوصل الى تكامل موضوعي في الطرح لهذه القضايا الموغلة في الابهام والظلمات لابد علينا من الوقوف على معدل الانحرافات والانجرافات الحادة والرهيبة والتي تعرضت لها الثورات العربية واسهمت في تحويل مساراتها واهدافها واخراجها من سياقاتها العامة وخدمتها لمصالح الشعوب الى ثورات نارية حمراء تصب جحيم وجام غضبها الثوري على رؤوس ابطالها الاحرار والانطلاقة في تكبيل  الارادة الجمعية لشعوب وتعريضها لصنوف الويلات والعذاب، والامعان في ممارسة مختلف اشكال الارهاب المنظم بحقها . وتفننت هذه الانظمة في اذلال الشعوب و بناء التكوينات والتشكيلات العسكرية والامنية الضخمة وسلحتها باضخم الاسلحة لتحرسها وللاسف الشديد من الشعوب الضعيفةوالهزيلة  والمغلوب على امرها والتي استلب الحاكم الظالم الجائر ارادتها الوطنية والقومية الحرة واملأها بالرعب والخوف،مما جعلها من اكثر الشعوب المقهورة على وجه الارض. 

ومما تقدم يمكن لنا بناء الاسباب الموضوعية لانطلاقة الشعوب العريية كالاعصار في اجتثاث هذه الانظمة العميلة والغارقة في وحل العملات حينما حانت الفرصة لها .، بعد ان استحكم عليها خيبة  الامال والرجاء في انظمتها السياسية التي تحولت الى اداة قمع لها.، وحكمتها بالحديد والنار لقرابة ستة عقود خلت من عمرها. 

وان خلقت هذه الانظمة مصابة بعلة الاختراق منذ الوهلة الاولى لوجودها لتنمو وتكبر معها الخلايا السرطانية العميلة وتعشعش في مفاصلها وتصبح هي حكومة الظل الفعلية الموجهة والمسيطرة على منظمومة الحكم و اراداتها السياسية الهشة.

اذن تعرضت الانظمة العربية الثورية الى عمليتي اختراق مبكرة واحتراق متأخرة قضت عليها في نظر الشعوب المنكسرة على احلامها الثورية المشروعة والتي ذهبت ادراج الرياح. وتقبلت بصدر رحب عملية تصفية الثورات العربية وانظمتها الدكتاتورية والشروع في تفكيك سلطاتها المركزية وبالتكلفة الصفرية.

والانظمة العربية تتحمل جريرة وجريمة حالة العداء المستحكم بينها وبين الثورات والشعوب العربية اللذين تم تجريدهم من المصلحة الحقيقة في الثورة سواء في اليمن اوفي غيرها من الاقطار العريية الاخرى. 

وهذه قراءة اولية امينة لتاريخ الثورات العربية لا محاكمات لها وهي رهينة لعملية اختطاف رخيصة من انظمتها الاستبدادية التي عملت على اخماد روحها الثورية المتوهجة وسرقة حياة واحلام البسطاء منها.

مقالات الكاتب