لعبة الحرب في اليمن (15)

لعبت وسائل الاعلام الرقمية الحديثة دورا لايستهان به في تحقيق هزائم العرب المتوالية في هذه المرحلة، واصابتنا بالعجز على مواجتها ومواجهة التحديات التي افرزتها على كافة المستويات،ومثلت طعنة للوعي الجماهيري واصابته في مقتل.، مما عجل في انهيار تحصيناته وقبوله بالاستسلام منذ الوهلة الاولى . 

اذهلتنا التقنيات الرقمية التي تعمل بها الالواح الضوئية وسرعة تنقلنا في فضائها والحصول على المعلومة بكل سهولة وبسرعة البرق،وسهولة اطلاق سهام  النيل من بعضنا ومن حياتنا ومن تاريخنا وباقل التكاليف. ودخلنا في عوالمها المفتوحة من اوسع الابواب مع جهلنا المطبق بحقيقة موتها البطئ للشعوب وسلبها وعيها وارادتها من حيث لا تعلم وهذا ماحصل للعرب بالضبط ونحن في اليمن الاشد ضرر منهم.

ومن عجائب الاقدار التي احيكت لنا تزامن دخولنا هذا العالم الفضائي المجهول مع فقدان العروبة لقلاع بلدانها دولة بعد دولة دون ان يحرك شعرة منا حجم ضياع الاوطان والتاريخ وشغلنا انفسنا بمعارك كلامية فارغة، قادتنا الى عمق  الدوامات اللا متناهية من الصراعات الداخلية التي غرقنا في وحلها حتى الاذنين.،واصبحنا مع اوطاننا ضحايا معاركها الافتراضية والوهمية،التي تحارب الحقيقة وتكره الخوض فيها بل هي بضاعة غير مرغوبة في سوقها الحامية الوطيس المليئة بالاكاذيب والافتراءات التي تخطر على البال ومالا تخطر عليه.، وهذه من عوامل الوهن التي فت عضدنا وارخت سواعدنا وسممت عقولنا عن استبصار الحق من الاخبار وتحميصها والعمل على تحصين الوعي الوطني منها،الذي يعتبره البعض نوع من ترف الماضي وهوس الناس وتعلقهم باستاره.، في ظل تلاشي اثر مؤسسات البناء الوطني من المسجد و المدرسة والجامعة ووسائل الاعلام التقليدية والاحساس بالقطيعة الوطنية معها.

و حصيلة هذه المعارك الافتراضية هي هزائمنا المعنوية القاصفة وجرينا نحو السراب من الاوهام التي نقع بلا رحمة تحت جريانها الهادر بدوران عقارب الساعة، ولم تترك فرصة لعقولنا لتعمل مراجعة لمنسوب انحدارها من الفهم وقبولها بالحشو من القول وانسداد بصيرتها من الوعي والمعرفة.

حتما بانها نتاج لمرحلة الاستعمار الرقمي الجديدة التي تقبلناها بالخروج الذاتي عن جاهزية الاحداث العاصفة بنا من كل اتجاه مع عجزنا الواضح في التعامل معها واستخدامنا المغلوط لها  وعدم قدرتنا على تحريك ساكن تجاهها.

وعلينا الاعتراف بهزيمتنا على خلسة من الزمن وفشلنا في الدخول الى عالمها الافتراضي والقبول بالدوران حول انفسنا في فضائيها الواسع ومع قيام اربابها بسرقة البقية الباقية من او طاننا التي نبكي اليوم فقدانها بذاكرة مثقوبة بالضوء الرقمي الذي اصابنا بالشلل الفكري والعقم المعرفي تجاه هذه التحولات الجذرية التي غزتنا على حين غرة وافقدتنا القدرة على التمييز بين الخيانة والوطنية المنسية من قاموس الاعلام المعاصر، وكأنما جرى شطبها من مفرادات لغتنا العربية الجميلة التي تعاني  هي الاخرى من اختزال مقامها العالي  في استخدامات الفتوحات العلمية للعالم اليوم، ولذلك نشعر بفداحة وفقدان الاشياء من حولنا ونقص قيمتها ووزنها النوعي حضارة وتاريخ وثروات بشرية وطبيعية ، و اصبحنا بلا وزن ولا نوعية في الزمن الرقمي العجيب الذي يمضي بعنفوان علمي رهيب لتحويل حياة الانسانية جمعا الى ارقام ممكن ان تكون ذات جدوى وممكن ان تكون بلا قيمة ايضا.، ونحن نخشى خسارة الحضور والتأثير في الحضارة الرقمية المعاصرة.،التي توقف دورنا فيها على جعل حياتنا واوطاننا اسواق استهلاكية لها.،ولا نملك حق الخيار او الاختيار في الدخول الى برامج المنافسة للعيش فيها.

واليوم علينا التفكير الجاد والمضني في كيفية ايقاف نزيف دم المرؤة في الالواح الضوئية التي عملت على اضاعت وتمزيق هويتنا الوطنية المطلوب انقاذها من التلاشي والهوان قبل فوات الاوان.،ولن يتأتى ذلك المأمول الا بعد اعادة تقييمنا لاستخدامنا السلبي لوسائل الاعلام الحديث التي تمارس علينا ارهابها الفكري بصورة اعنف من قمع وارهاب الانظمة العربية وحقيقة زيف وجودها العدمي.

مقالات الكاتب