لعبة الحرب في اليمن (20)

بقيام الجمهورية اليمنية الخالدة على انقاض نظامي اليمن الهالكين، عملت امريكا على تقنين العداوة بين النظام الديمقراطي الوليد فيها  وادوات عمله الاساسية من القوى والاحزاب السياسية التي كتبت لها الحياة من جديد،وهي من عاشت مدفونة لثلاثة عقود مضت من عمرها ومن عمر الثورة التي ينسب لهم الفضل في قيامها وتغذيتها من دمائهم الطاهرة،وتمكنت امريكا بخبثها السياسي المعروف من ترحيل يوم الحساب بينهما الى اجل غير مسمى، ولغرض في نفسها لا نفس يعقوب، وان ابقت نار خلافاتهم  من تحت الرماد حتى اذا ماحان آوانها  بحسب توقيتها السياسي للاحداث  فتحت الرياح عليها وبقوة لتبلغها ذروة الاشتعال في غمضة عين.وحينها تبادر بمباركة انطلاقة ثورة التغيير في اليمن،وبصورتها الحضارية التي اذهلت العالم بسلميتها وبحجم المشاركة الشعبية الواسعة فيها التي ارست ولاول مرة في اليمن تقاليد جديدة ومفهوم جديد للنضال السلمي للشعوب والمحقق لتطلعاتها في اصلاح ما افسده الحاكم لا الدهر على منظمومة النظام و الدولة،وهذه المتغيرات على غرابتها وحداثتها في حياة الشعوب وغير معهودة في سجل نضالاتهم الثورية والمكتوبة بالدم،وربما تظل من الفضائل الخالدة لامريكا في عصرها الكوني الحديث،واضطلاعها بمواصلة ادوارها في التربية والتنمية السياسية لشعوب وتهذيب سلوكها الحزبي وتوجيهها نحو الصالح العام وتعليمها بكيفية الاجماع على تحقيق اهداف البناء الوطني بمشاركة كل طاقات المجتمع  الخلاقة في صناعتها .  

ولا قابلية للجدال في اهمية الثورات السلمية التي شهدتها اليمن وغيرها من جمهوريات العرب التي فاقت من سكرات حكمها وحلمها بعد زهاء ثلاثين عام،على الزوال بايقاع هدير الجماهير لا قعقعة السلاح.على ما اصابها من فجيعة الرحيل والوداع القهري لملذات وحياة قصورها الملكية الفاخرة والى غير رجعة وخروج بعضهم ذليل الى قاعات المحاكم والسجون التي ربما تذكره بوحشية انظمتهم وقمعهم المعنوي والجسدي للقوى الحية لشعوب،صور شتى لا نريد قراءات تفاصيلها الجميلة والحزينة من الذاكرة الان،ولكنها تحتفظ بمكانتها التي تستحق في حياة وتاريخ الشعوب المقهورة من عيشة عبوديتها للانظمة في اليمن وغيرها من بلدان المنطقة التي على شاكلتها.

ولا يعيب هذه الثورات الشعبية السلمية الكاسحة ان هي استفادة او استعانة بالخبرات الامريكية لتخلص من انظمتها العتيدة التي خدمة امريكا وكانت اطوع لها من البنان لقرابة الستين عاماوهي من عملت على تدجينها وتهجينها وفصلها مع انظمتها عن الشعوب صاحبة المصلحة الحقيقة فيها .  ولكن مايؤخذ على امريكا هو استعجالها للقضاء على هذه الثورات مبكرا،وعدم منحها الفرصة الكافية للحياة وتمكينها من تنفيذ الاهداف الاستراتيجية لها،والعمل تحقيق رسالتها الوطنية ومقاصدها الثورية من التغيير السلمي والجذري للنظام، واستكمال مهام اعادة بنية وتركيبة هياكل الحكم وتجديد و اصلاح مؤسساته ، بعيدا عن مؤثرات وتأثيرات الدولة العميقة في اليمن.

والسؤال الذي ينبثق من حجم التنقاضات التي احاطت بالثورة السلمية والوليدة في اليمن،هو لماذا امريكا لم تساعد الثورة على اكتمال عمرها وعملت على اجهاضها في المهد. 

وقد تكون الاجابة اشد حيرة من السؤال نفسه،ويمكن انحسارة في حجم المخاوف التي انتابت امريكا من هذه الثورة التي فاق الانتصار الجماهيري لها كل التوقعات،وكانت نموذجية ومتفردة على كل نظيراتها من الثورات العربية الاخرى التي لم ترق لها شكلا ومضمونا على الرغم من البون الحضاري الشاسع بين اليمن وبلدانها، وما كان لامريكا ان  تبقي على حياة هذه الثورات المذهلة بعمقها الجماهيري الساحق،التي تمتلك جاذبية وسحرا مبين يمكن ان يعمل على احياء الارتباط بالثورات العربية الام  التي اماتتها امريكا وقبرتها بايادي انظمتها العميلة لها و بعمل منهجي ومنظم امتد بعمرها تقريبا.

هذه التساؤلات جديرة بالاهتمام وربما هي من استدعت امريكا على اطلاق رصاصة الرحمة على ثورات ربيع العرب وقطع شريان حياتها وتركها فريسة لسباع ليل الانقلابات عليها في اليمن وفي بقية  الاقطار العربية .

وبالتأكيد فان الاجوبة الشافية لهذه التساؤلات مازلت في رحم غيب امريكا وهي عادة لا تحتمل الصبر على الاسرار.

وهنا مربط فرس الانقلابات على الثورة السلمية لشعب اليمني وسر شن الحروب عليها.

مقالات الكاتب