خواطر اثناء الرحلة الى عرين الأسود (مديرية العبدية)

ليس الطريق الى العبدية مفروش بالورود،  بل يمر بمصاعب كبيرة وفي مقدمتها صعوبة الطريق،  والعبدية التي لا تبعد عن مركز مديرية حريب اكثر من 40كيلو متر تفصلها عنها عقبة ابلح وهي العقبة الكاداء التي تعزل اقصى مديرية في جنوب محافظة مارب عن مركز المحافظة وبقية مديريات المحافظة. 

وفي الرحلة الى عرين الأسود ورجال الصمود ومديرية ثورة سبتمبر  عبر أبلح يمكنك ان تتعرف بسهولة على نوع مختلف من البشر،  نوع لم يستسلموا لقهر الطبيعة ولن ولم يستسلموا لأي قهر أخر  وكانوا عبر التاريخ قمة في الشموخ كشموخ الجبال التي تحيط بهم  يرافق هذا الشموخ تواضع وكرم حاتمي غير موجود في مكان أخر من هذا العالم،  فمن يبحث عن مأثر حاتم الطائي وقصص كرمه الخيالي فسوف يجد تلك المأثر حية تمشي على الارض كسلوك يومي فطري عند أبناء مديرية العبدية. 

أرادت مليشيات الأنقلاب ان تجتاح العبدية خلال الأسابيع الما ضية لا لشيء فا العبدية مديرية جبلية ليس فيها ثروات طبيعية وأنما ارادت الأنتقام من ابناء هذه المديرية "كمال قال لنا الرجل الستيني الذي يرتدي بزته العسكرية ويقطع حديثنا معه بالحديث عبر راديو صغير يتكلم فيه بين الفينة والأخرى الى رجال يتواجدون في خطوط النار الأمامية. 

وأعتقد ان حديث الرجل الستيني هي الحقيقية عن محاولة الحوثي اجتياح العبدية والذي أنتهى الى الفشل. 

لكن الرجل لم ينهي حديثه والذي قطعه حديث الى جهاز الا سلكي مع الرجال الذين يرابطون في الخط الأمامي. 

وبينما كان ينتابنا القلق من كثرة النداءات التي يتحدث بها عبر جهاز الراديو، ادرك قلقنا وقال اطمئنوا فالأمور تحت السيطرة. 

وعاد ليحدثنا عن واحدية المعركة ووحدت الجبهة الداخلية وقال نحن في العبدية اتحدنا فوق الحزبية لمواجهة عدو غادر،  واعطى مثال على ذلك وقال ان رئيس فرع المؤتمر في المديرية قدم اثنيين من ابناءه في مواجهة الحوثي 

لا اعرف ماذا كان يقصد بهذا الطرح،  لكنني أفهم ان الحوثي لن يهزم بدون تجاوز الأنقسامات والمسميات السياسية،  وأفهم ان المنظومة السياسية بمسمياتها المختلفة جزء بسيط من مركبات النظام الجمهوري وليس لأيآ منها ان يدعي انه الجمهورية  فجزء من جزء لايمكن ان يكون الكل باي طريقة تحسبها وفهمت من حديثه ان جميع الجزئيات يجب ان تذوب في الكليات والكليات هي النظام الجمهوري والوطن  ، وفهمت ان الجزئيات ربما اضرت بشكل أو بأخر  بمستويات المعركة وانه حان الوقت لتصحيح المسار. 

لقد ظلت العبدية عبر تاريخها في كل التحولات التي شهدتها اليمن خلال الستة العقود الماضية يقف رجالاتها في الصفوف الا مامية للدحر عوامل التخلف والقهر التي تحيط باليمنيين. 

قدمت العبدية قوافل من الشهداء منذ شروق فجر سبتمبر وحتى اليوم وقدمت العبدية القادة العظام  مثل الشهيد احمد عبدربه العواضي والشهيد عبد الرب الشدادي. 

ولهذه الأسباب التاريخية أراد ت مليشيات الحوثي الأنتقام من العبدية البوابة الجنوبية لمحافظة مارب ووقف الرجال الأشاوس منذ أواخر يونيو وحتى اللحظة في وجه عدوان المليشيات ودحروه بالتوازي مع بطولات أهلهم في جبهة العلم وصلب وماس والجدعان والمخدرة وصرواح وقانية  وناطع في جبهة يبلغ طولها اكثر من 200 كيلو متر،  حطم فيها ابناء مارب ومن معهم من أحرار اليمن أحلام الأنقلاب الكهنوتي .

وكما قلنا في البداية فالعبدية عرين الأسود ويجب ان تظل قلوبكم يا ابناء مارب معها ومع رجالها الشجعان وتستحق هذه المديرية كل الأهتمام من السلطتين المحلية والمركزية على السواء وفي مقدمتها معالجة وضع الطريق والموصلات بشكل عام. 

في العبدية لايمكننا فصل الجانب المدني عن العسكري فالكل منخرط في معركة الدفاع عن مارب  من الشباب  وحتى الكهول الذين لازالوا قادرين على الحركة، الجميع يحمل السلاح. انهم يطبقون المفهوم الدفاعي الأستراتيجي فعندما يتعرض الوطن للعدوان تسود عبارة وجب على الجميع حمل السلاح. 

في العبدية المواصلات مقطوعة عن هذه المديرية وقامت المليشيات الحوثية بعزلها وتدمير الابراج المغذية لها بالهاتف النقال ويعتقد الاجندة انه بهذا لعمل سيعزل المديرية عن اليمن والعالم. 

ومالمسناه اثناء زيارة تحضيرية الهيئة الشعبية لدفاع عن مارب من الأبطال في العبدية يسر، النفس ويسعد ويفرح كل ابناء اليمن 

فقد قال لنا  الشاب الذي يرتدي بزته العسكريةسوف نمضي في هذه المعركة على طريق الشهداء الذين سبقونا، وهذا الشاب هو ابن شهيد مبخوت الاحرق ، وجأ حديثه خلال استقبال جمع غفير من ابناء العبدية لقافلة تحضيرية اللجنة التحضيرية للهيئة الشعبية لدعم الدفاع عن مارب. 

وبدون ادنا شك ان حديث الشاب المتحمس والذي يشع منه الأيمان بقضيته ويستند على تاريخ مجيد من التضحية والفداء اشعرنا جميعآ بالأطمئنان على العبدية،  في اي مكان أخر غير العبدية ربما يتلقون الشباب محاضرات أو دروس عن معاني التضحية في سبيل القيم الرفيعة ، اما في العبدية فهم يتلقون هذه الدروس في الميدان من الرعيل الأول من المناضلين الجمهوريين الذين لازالوا يحملون بنادقهم القديمة التي شاركوا بها في معارك الدفاع عن الجمهورية .

ان العبدية ستبقى مدرسة في سفر التاريخ النضالي في مواجهة عوامل التخلف. 

دروس لابد من ندركها من رصيد العبدية النضالي، فالمديرية المعزولة والمحرومة من معظم الخدمات وأسباب الرفاه التي  التي تطفل عليها البعض واحتكرها بقدر ما يتسبب ذلك في كثير من الألم والشعور بالغبن للمحرومين  وعلى الرغم من ذلك فقد احتفظ ابناء العبدية بقيهم الرفيعة من الصدق والشجاعة والكرم وكل الأخلاق الحميدة التي لم تتلوث بالمصالح والرفاه والتي أصيب بها البعض. 

وفي طريق العودة وأنا اتحدث في السيارة الى الشيخ علي عبدربه العقيلي ومازن أمين العقيلي  والذينا كانوا ضمن وفد التحضيرية 

كنت اتحدث اليهم وسيارة الدفع الرباعي تتدحرج بأقل سرعة ممكنه خوفآ من الأنحراف والسقوط في هوة سحيقة وكانت سيارتي الأخ صالح الطاطي وعبشل الفتيني قد سبقتنا وأعتقد انهم يعانوا من نفس الشعور. 

وكنت اقول لرفاقي ما الذي يمكن ان تقدمه الهيئة الشعبية بعد ان شاهدتوا في العبدية ما شاهدتوا. 

وربما قصدت من سؤالي الأولويات؟ 

فقال لي الشاب مازن أمين صالح العقيلي بسرعة وبديهية وهو يمسك مقود السيارة بكلتا يديه،  ما يحتاج سؤال يا أستاذ حسين  فلقد شاهدنا الهلاك مرات عديدة اثناء صعودنا أمس ونزولنا اليوم فا الطريق هي أم الأولويات لأسناد العبدية. 

وافقته على القول ووعدته ان الطرح رأيه هذا،  وها انا ذا اطرحه كماهو دون زيادة اونقصان. 

لقد كانت زيارة تحضيرية الهيئة الشعبية لمديرية العبدية قصيرة وخاطفة ربما شابها بعض القصور فالكمال لله،  بالمقابل كانت معبرة وتضامنية وتحمل الكثير من المضامين الرمزية والتقدير لأبناء العبدية وصمودهم وهي جهد شعبي وعمل طوعي غير رسمي وعليه نعتذر عن اي قصور ونؤكد ان الأيام سوف تجمعنا بأهلنا في العبدية بأستمرار. 

* على هامش تدشين أول قافلة أسناد الى مديرية العبدية من قبل تحضيرية الهيئة الشعبية للدفاع عن مارب.

مقالات الكاتب