مشكلة توحد أم موحدون ؟!

الجنوب نتاج عملية توحد كبيرة ضمت ٢٣ سلطنة وإمارة ومشيخة ، ودولة الإمارات حصيلة لتوحد سبعة مكونات قبلية بدائية -انضمام إمارة رأس الخيمة كان في العام التالي ١٩٧٢م - قدر لها التوافق على وحدة سياسية مطلع ديسمبر من العام ١٩٧١م .

وكان مقررًا أن يشمل الكيان الجديد قطر والبحرين باعتبارهما ضمن التسعة الامارات المتصالحة إبان حقبة الحماية البريطانية ، وكان يزمع اجتماعها في عقد واحد فور جلاء الإنكليز في نوفمبر من العام ذاته .

لكن الجزيرتان استبقتا التوحد واعلنتا استقلالهما ككيانين مستقلين ، البحرين في ١٤ اغسطس وقطر في ٣ سبتمبر ،وبذلك وئدت تلك المساع للم شمل الجزر الخليجية كاملة في كيان سياسي واحد .

السعودية هذا البلد الكبير بمساحته وثروته يعد واحدة من أهم الوحدات السياسية في القرن العشرين ، فمن أمارة الدرعية في نجد ، إلى كيان ديموغرافي قاري مساحته تقدر بمليوني ونصف كيلو متر مربع . 

فبكل تأكيد هذه المساحة الشاسعة لم تأت هبة أو أمنية ، وانما تحققت بالقوة والسيف والدم ، وبالترغيب والترهيب والمصاهرة وسواها .

 فما من نجراني أو عسيري أو جيزاني يمكنه الزهو بهويته اليمانية التي باتت من التاريخ ، فلو تفوهت اليوم بيمنية المكان أمام أيًا من سكان هذه الأقاليم اليمانية القديمة لسخر منك ولبصق في وجهك .

ولاياتا تكساس وإرنكساس الأمريكتين كانتا قبلًا جزءًا من المكسيك ، إذ تم الاستيلاء عليهما بقوة السلاح وضمهما للولايات المتحدة الأمريكية ، فمن يريد الان أن يكون مكسيكيًا ؟  فهنالك ملايين المهاجرين المتدفقين على الولايتين ، بل ويوجد اضخم سور عازل ما بين الوطن الأم المكسيك وبين الولايتين الأمريكتين  .

أمَّا ولاية لوزيانا فتم شرائها من فرنسا ب١٥ مليون دولار  ، وكذلك ولاية فلوريدا التي تم شرائها من اسبانيا ب ٥ مليون دولار .

ولمن لا يعرف ؛ فجزر هاواي الأمريكية تم اغتصابها من سكانها الأصليين مطلع القرن العشرين ، إلَّا أنه لم يعترف بها كولاية أمريكية غير في عهد الرئيس أيزنهاور وعقب استفتاء شعبي .

فمنذ إضافة النجمة الخمسين إلى العلم الامريكي في يوليو من العام ١٩٦٠م والولاية يفدها الملايين السياح ، كما ولا احدًا أعطى بالًا للاعتذار الرسمي الذي وقعه الرئيس بيل كلينتون عام ١٩٩٣م واعتذر فيه عن ضم هاواي بشكل غير شرعي نهاية القرن التاسع عشر .

ولماذا يشغل السكان أنفسهم بتاريخ الضم والالحاق وهم من ظل طوال عقود لاحقة يطالبون بانضمامهم للولايات المتحدة ؟ كما وأصبح باراك أوباما المولود في الولاية أول رئيس أميركي وصل للبيت الأبيض عام ٢٠٠٨م .

والغريب في المسألة أن السيناتور الذي اخترع صفقة شراء هذه الجزر البعيدة عن ولاية كاليفورنيا بنحو ٢٤٠٠ ميلًا لقي من القدح والنقد ما لم يتحمله انسان في حينه ، وبرغم ذلك كان للتاريخ كلمة ، فهذا السيناتور بات في الحاضر من أعظم الشخصيات ، واقيمت له التماثيل ورسمت صوره وكتب في سيرته الذاتية الشي الكثير .

واذا ما قدر لك مجالسة اصدقاء روس ، فإنَّهم والى اللحظة لا يتذكرون ولاية الآسكا الأمريكية إلَّا ومع ذكرها تنطق المرارة والألم الذي تسبب به قيصر روسيا حين باعها للأمريكيين مطلع القرن الفائت وبثمن بخس قدره ٧.٢ مليون دولار .

ويقينًا أن روسيا لا تنقصها ثروة أو تعوزها مساحة ، فيكفيها مساحتها البالغة ١٧ مليون كم مربع وتزيد عن مساحة الدول العربية ال ٢٢ مجتمعه بثلاثة مليون كم ٢ .

المانيا الاتحادية بصيغتها القائمة كانت مملكات متناثرة وما يحسب للقائد " بسمارك " خلال القرن الثامن عشر هو قدرته على توحيد تلك المملكات طوعًا وترغيبًا وتارة بالترهيب من القوة الغاشمة الآتية من خارج الحدود  . 

وكانت بروسيا نواة ذاك الاتحاد الألماني الجامع للقومية الجرمانية في الشمال والجنوب ، وبرغم ما تعرضت له هذه الدولة الألمانية من نكسات وانكسارات وهزائم عسكرية وسياسية إلَّا أن الألمان لا يخفون نزعتهم لاستعادة مواطن عدة ناطق أهلها بالالمانية في بلجيكا وبولندا وسويسرا والنمساء وسواها إلى الوطن الأُم " المانيا " .

لا أحدثكم هنا عن الاتحاد الأوروبي أو الروسي أو الصيني أو السويسري أو الإنكليزي أو سواها ، فهذه قصة طويلة ويستلزمها تناولات عدة .

فلا توجد نزعات انفصالية بغير الدول التي أخفقت وفشلت في تحقيق مبدأ مهم للغاية وهو المواطنة المتساوية أو بمعنى أشمل الدولة العادلة المنصفة لكل مواطنيها ورعاياها .

البعض يتحدث عن جنوب السودان أو انفصال سوريا عن مصر مطلع الستينات أو فشل التوحد في اليمن ، وهذه نماذج عربية للأسف لا يمكن القياس عليها إلا بكونها فشلت في تحقيق الدولة العادلة لمواطنيها .

فسوريا كانت وحدتها مرتجلة وسريعة مع مصر نهاية الخمسينات ، وبرغم ممانعة الرئيس الراحل عبد الناصر لهذا التوحد المرتجى إلا أن أيًا من الحسابات تم مراعاتها ؛ فسقطت الجمهورية العربية المتحدة بعد عامين فقط ، بسبب لم يكن في حسبان أحد .

فدمشق ليست القاهرة ، ومثلما صنعاء والخرطوم ارادتا السيطرة على عدن وابوجا ؛ كانت العقلية العسكرية في القاهرة قد أطلقت رصاصة الرحمة على التوحد ، فحين تم تهميش واقصاء القادة السوريين ، ولدت بالضرورة الرغبة الشديدة لاستعادة بقايا حرية وكرامة ، أو هكذا عدت المسألة بالنسبة لمن تبنى الانسلاخ وقتها .

وجوهر ما أود إيصاله لكم هو أنه لا مشكلة لدينا كمجتمعات مع التوحد السياسي ، وانما المشكل في كيفية إدارة هذه الدولة الموحدة وفي طريقة حكمها وتصريف شؤونها .

وبكلمة وجيزه : هل هذه الدولة ستكون عادلة لكل مواطنيها أم أن هذه الدولة تصير مجرد سلطة فاسدة مستبدة مجسدة للفروقات والتمايزات المجتمعية الظالمة ؟...

مقالات الكاتب