الوقوف على المجهول

اسهمت بريطانيا العظمى في صناعة العقلية  العربية الحاكمة و المعاصرة بانماطه المعروفة والمحددة  في الجوانب الدينية والاشتراكية والراسمالية وتمكنت بها وبتحكمها الجيني من مواصلة استعمارها الخفي للعالم العربي والسيطرة المطلقة على انظمته الحاكمة بانماطها الثلاثية على رغم من مضي سنوات طويلة عن رحيلها المخطط له مسبقا من الديار العربية المؤسسة مع انظمتها على جرف هار ، وقائم على عمود بريطاني قابل للانهيار في اية لحظة.

وظلت بريطانيا تمثل ناصية الانظمة العربية المنقادة لها طوعيا ودون رغبة حتى في الانعتاق الفكري والقصري لتبعيتها. وهي من عملت على توظيف صورة المأساة او التراجيديا التاريخية في حياتنا واوقفتنا على خلافتنا العميقة الجذور والممتدة الى حقبة انهيار الخلافة الاسلامية الراشدة، واستطاعت بذكائها الخارق في الحفاظ على هذه الخلافات واشعال جذوتها من جديد لتقضي على الاخضر واليابس في حياة العرب،الذين يعيشون بعقلية طاب لها لذة استجرار تخلفها التاريخي،وتأصيل الرغبة في خضم صرعاتها الجوفاء والهلامية التكوين والنشأة. 

نجحت بريطانيا في تاطير هذه الانظمة العربية الوليدة وجعلتها رهينة لرغباتها غير المشروعة في الحكم وتمكنت من استنساخ اجيال من التابعين والتابعين لها بالوراثة والولاء والعمالة، وسبحان الله العظيم وبقدرة بريطانية خالصة نعيش اليوم وباثر رجعي في  دوامة الصرعات التاريخية العميقة التي جات رياحها على البقية الباقية من العرب انظمة وكيانات ومقدرات بشرية وثروات مادية وطبيعية لتتدفق سيولا هادرة الى ما وراء البحار ونحن غارقون في بحور من الظلمات والجوع والتخلف والضياع والخذلان، فاقدين بوصلة توجهنا في الحياة فضلا عن استحقاق العيش فيها. 

ومما يؤسف له بان ثوراتنا العربية التي توارت اليوم بتاريخها الوطني والقومي الثري خلف الشمس قد خلقت وهي حاملة في احشائها جينات موتها البريطاني البطئ وتكمنت خلاياه السرطانية من التفشي والسريان المميت في اوصالها، بعيدا عن عيون الضمير العربي المخدر بالانتصارات الثورية الوهمية حتى اتت اوكلها و قضت عليها الواحدة تلو الاخرى وجعلتها عبرة لمن لا يعتبر من بقايا الثوار العرب الذين انقرضوا مع الثورات ومابعدها واصبحوا اثرا بعد عين، منسيين من ذاكرة العرب اجمعين. وربما تصفية الثورات العربية المعاصرة مع رموزها وقادتها الكبار،هي نتاج بريطاني وامريكي مشترك،واخر بروتكولات التعاون والتأمر الثنائي بينهم على العرب،لتتفرد امريكا بعد هذه المرحلة في قيادة وادارة العالم بما فيها بريطانيا العظمى التي رمتها  امريكا بعملية التقويض من صدارة المشهد الاوربي واصابتها في مقتل و على اكثر من صعيد.

وبريطانيا ستظل هي صاحبة الفضل التاريخي الاول في الخلاص من الثورات العربية ورموزها التاريخية وصاحبة اليد الاولى في تكوين صيرورة التبعية والتحكم بالانظمة العربية المتعاقبة بانماطها المختلفة. والتي تقف اليوم كيانات وشعوبا على حافة  المجهول من النظام الدولي الجديد.

مقالات الكاتب