ظلام المكلا

في بداية العام 1995م قُدّرَ لي الانتقال الى المكلا والسكن فيها فشهدت معاناة الناس في تلك الأيام العصيبة بسبب الانقطاع المستمر للكهرباء الذي يصل في بعض الأحيان الى 24 ساعة كاملة وكنت اسمع صيحات الأطفال في الشوارع وفي شرفات المنازل فرحاً كلما عادت الكهرباء الى بيوتهم،

وشاهدت كغيري وبفرح كبير في تلك الأيام طائرتي شحن كبيرة كانت تحمل مولدات إسعافية وبأوامر رئاسية مباشرة وهي تقترب من الهبوط في مطار الريّان (عجّل الله عودته) كمتنفس لأبناء حضرموت حُرِموا من خدماته للعام السادس على التوالي،

وبعدها بسنتين تقريبا تم افتتاح محطة كهرباء الريان كمنجز تاريخي في حينه رغم الملاحظات ويحسب دون أدنى شك لقيادة المحافظة في ذلك الوقت وعلى رأسها العميد صالح عباد الخولاني الرجل الذي شهدت المكلا على وجه الخصوص وحضرموت بشكل عام في فترة ادارته نقلة حضارية لا ينكرها إلا جاحد استثمرها من خَلَفَهُ بشكل إيجابي وببريق اعلامي كبير وقفز بها قفزة أخرى من خلال مشاريع لم تحمل صفة الديمومة لسنوات أطول بل صاحبها تغلغل ونشؤ منظومة فساد كبيرة في مناحي شتى لا مجال لذكرها هنا،

اليوم حضرموت كجزء من الوطن كله تعاني ما تعانيه في كل المجالات وبالذات الكهرباء التي هي عصب الحياة للمواطن والتي يفترض ان تكون الانقطاعات المتكررة من الماضي وخاصة أنّ من تولّى ادارتها الآن احد أبنائها وهو قادم من وسط جموع البسطاء عاش معاناتهم منذ نشأته داخل الوطن وخارجه فهو افتراضا الأقرب اليهم، وميزة أخرى لم يحصل عليها من سبقه عشرون في المائة من مبيعات النفط تورّد مباشرة في صندوق المحافظة ناهيك عن إيرادات الجمارك والضرائب وغيرها التي تقدر بالملايين في اليوم الواحد والتي يمكن من خلالها بناء محطة كهربائية حديثة، ولديه  ولأول مرة عدد كبير من الوكلاء والوكلاء المساعدين بدأ بالمرأة وانتهاء بالشهداء والجرحى إضافة الى عدد من المستشارين وأبرزهم أساتذة الجامعة،

يشهد الله اني أحمل تقديرا للأخ المحافظ وتوقعت خيرا بتعيينه إلا أنه حزّ في نفسي أن اسمع عن معاناة الناس جراء انقطاع التيار الكهربائي وما تسببه لهم خاصة في هذا الارتفاع الشديد للحرارة وكذلك اعتماد معظم المرافق والخدمات على وجودها ومما يؤسف له خروج مجاميع وقد ضاق بها الحال تقوم بقطع الطرقات احتجاجا على ذلك ويكتبون عبارات غير محبذة كعبارة (ارحل يا بحسني) وتأتي أخبار موجعة هي الأخرى من انهيار في قيمة الريال ليتم نهب ما تملكه أو تدّخره وهو في جيبك بحيث يصبح لا قيمة له، وأخبار عن توقف الكثير من الأنشطة وأسواها توقف مصنع الحديد والصلب وتسريح 400 عامل والمصنع يعتبر منجز للمحافظة وواجهة لمستثمريها وهو يمثل نموذج لرجال اعمال من أبناء حضرموت لهم دورهم واسهاماتهم مشهودة في خدمة المجتمع

وتوقفت محطتهم الكهربائية التي كانت تزود المصنع وتغطي عجز الكهرباء المحلية من خلال تزويدها بالطاقة فتوقفت بسبب عدم تسديد مستحقاتهم السابقة وبالتالي تعرضهم لخسائر كبيرة تؤثر على كافة انشطتهم وتؤثر سلباَ على كافة المستثمرين وبالتالي على المواطن الذي يلحقه الضرر هو الآخر.

صحيح أن البلد بشكل عام تعيش أسوأ مرحلة في تاريخها الحديث على أقل تقدير والشرعية هي الأخرى تعيش أسوأ مرحلة ضعف لكن رغم هذه الظروف فلا يعفى أي مسؤول عن تحمل مسؤوليته على أكمل وجه فما بالكم والوضع في حضرموت يحمل بين ثناياه مقدرات النجاح إذا توفرت العزيمة والإرادة.

فهل سنقدم نموذجاً حضرمياً مميزاً نضاهي به الآخرين ويقتدون به أم أن تعذيب المواطن سياسة ملزمة غير مسموح لأي محافظ تجاوزها؟!

مقالات الكاتب