بشير و رحمة للعالمين

                                                             ( 1 )
   يعيد التاريخ نفسه بنَفَس صليبي يطل مرة ثانية من فرنسا، و يعيده مرة ثانية - أيضا - بنفس عصبوي جاهلي، يتسلل من كهف مران !

   ماكرون رئيس فرنسا، تطفح الأنا الصليبية لديه بمخزون من الكراهية التي لم يستطع إخفاءها، و راودته أحلامه أن يقفز فوق واقعه ؛ ليتبنى الدور الفرنسي الذي ابتدأ بتبني و قيادة الحملات الصليبية على العالم الإسلامي، حيث أعلن البابا أوربان الثاني عن أول حملة صليبية سنة 1095م. من كليرمونت في جنوب فرنسا ، و هدفها السيطرة المسيحية على القدس الشريف و البلاد الإسلامية.

  لويس التاسع قاد الحملة الصليبية السابعة سنة 1248، فانكسر حقده و انهزمت صليبيته في مدينة المنصورة بمصر الكنانة سنة1250م. و تم أسره هناك و من ثَم سجنه في دار تسمى دار ابن لقمان، ففدا نفسه من الأسر، ثم عاد إلى فرنسا محملا بمشاعر الخيبة، و متدثرا بذل الإنكسار  ؛ و لأن حقد ست حملات صليبية سبقته، فقد توفر لديه تاريخ طويل تراكمت فيه الأحقاد، و تنامى فيه العداء ضد الإسلام و المسلمين،  بعد أن تشربها تشرّب اليهود حب العجل، الأمر الذي دفعه لتبنى قيادة الحملة الصليبية السابعة ؛ كما أسلفنا .

    عاد الرجل إلى فرنسا مثقلا بقيود السجن التي كُبّل بها في مدينة المنصورة بمصر ، و مسكونا بحب الانتقام، فراح يعد لحملة جديدة، سميت بالحملة الصليبية الثامنة، قادها هذه المرة إلى تونس، و في نيته أن ينطلق منها إلى مصر، فقال أحد شعراء مصر في ذلك  :

      دار ابن لقمان على حالها      و السجن باق و الطواشي صبيح

    طوال زهاء قرنين من الحروب الصليبية ضد البلاد الإسلامية لا شك أنها كرست كراهية، و غرست حقدا، لم تستطع النفسية الاستعمارية نسيانها، و ظلت تحمل هذا الحقد و تلك الكراهية، حتى تمكنت الدول الأوروبية من بسط سيطرتها الاستعمارية  على جل البلاد العربية و الإسلامية، و بدوافع الحروب الصليبية، و إن جمّلتها بكلمة الاستعمار كغلاف خارجي يخفي حقيقة الدوافع الصليبية !

   ماكرون تسكنه ذهنيته الصليبية،  و يحس معها أن قيود لويس التاسع تكبّل قدميه، بينما الحقيقة أن النزعة الصليبية تكبل عقله . لذا راح يهذي ضد الإسلام و رسول الإسلام بما تمليه تلك الذهنية المسكونة بالوباء الصليبي المتوحش !!

    لم يفعل ماكرون، أكثر من أنه أسقط القناع عن وجه قبيح يخفي ما هو مستقر في تلك الذهنية المسكونة بالتوحش، رغم أن أقنعة الخداع استطاعت أن تخدع شريحة من السذج في العالم العربي!  

                                                               ( 2 )

     إذا كانت كليرمونت المدينة الفرنسية، استدعت ماكرون ؛ ليستكمل مهامها ؛ فإن كهف مران استدعى موقف الملأ من قريش، ليحاكي موقفهم يوم أن تداعوا بعناد و جهالة لمقاومة رسالة الرسول عليه الصلاة والسلام ، فلما أحسوا بالفشل جاؤوا يشترطون تقسيم المجتمع إلى قسمين  : طرد الفقرء و المعوزين ممن أسلموا ، و إخلاء المكان لهم و منع الفقراء من الجلوس معهم، و هو ما يكرره أحفادهم من الحوثة بتقسيم المسلمين إلى شريحتين : قناديل ، وزنابيل ! إنها عقلية استعلائية حمقاء، بعضها من بعض،  تستعلي على أساسها بغفلة مفرطة، و فكر عقيم.

   و العقلية الحوثية - اليوم - تسول لها أوهامها مصادرة مقام النبوة، و تقصره على أسرة،  و تحصره في سلالة، و تروّج أن النبي عليه الصلاة والسلام  - بحسب زعمهم المريض - إنما أرسل لبناء مجد عائلي ، و التمكين لظلم أسري - معاذ الله  - يزعم معه مَعْتوْهُوْ السلالة أنهم أبناء رسول الله، متجاهلين قول  الله تعالى  :( ماكان محمد أبا أحد من رجالكم) و يتجاهلون أنه أرسل رحمة للناس أجمعين ، يقول عز و جل:( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) و قوله : ( وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا و نذيرا ).

    عندما طلب معْتوْهوْ قريش من الرسول الكريم طرد الفقراء إن هو يريدهم أن يسلموا، أنزل الله تفنيدا قاطعا لقولهم، فقال (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28).

  أراد الملأ من قريش التميز على من سواهم، بزعم ينتفخ في صدورهم أنهم أفضل الناس، و يريد الحوثة -  اليوم - أحفاد أولئك - التميز المطلق باعتبارهم الباطل بأنهم قناديل و سواهم من كل العالم زنابيل . و أنهم ذرية مصطفاة، و نسوا أن جدهم أبو لهب قال فيه القرآن :( تبت يدا أبي لهب... ) و قال عدلا و مساواة  : ( إن أكرمكم عند الله اتقاكم).

   فأي غباء مركب، و جهل مستطير، أن يأتي من يزعم - بهتانا و زورا - القول أن الرسالة للناس كافة، رسالة لأسرة،  و بلاغا لعائلة !!؟

  ما أشبههم ببعض  !  إنهم جميعا ماكرون !!

مقالات الكاتب