الوحدة اليمنية في ذكراها الـ24.. أشياؤها حولي

في مثل هذا اليوم من العام 1990م أعلن رئيسا شمال اليمن ” علي صالح” وجنوبه “علي البيض” الوحدة اليمنية بين شطري الوطن بعد سنوات من الفرقة والصراعات السياسية والعسكرية.

إلى هنا كان يمكن للفقرة أن تكتمل، ويصير بإمكان اليمنيين الاحتفال بالمناسبة التي غدت يوما وطنيا وعيد الأعياد أيضا، لكن ثمة صراع من نوع آخر اشتعل مجددا بين شريكي الوحدة الذين صار أحدهما رئيسا لليمن الواحد والآخر نائبا له، ولم يدم شهر العسل طويلا بينهما إذ برزت مشاكل وقضايا وملفات أخفقا في التعامل معها لكنهما نجحا في تبادل الاتهامات بشأنها.

وأخفقت جهود الوساطة المحلية والعربية والدولية في التوفيق بين “العليين”، لتدخل البلاد في حرب استمرت زهاء سبعين يوما منتصف العام 1994م، انتهت لصالح “صالح” وحلفائه بينما غادر البيض البلاد إلى منفاه القسري على وقع الهزيمة.

بيد أن الفرحة لم تكتمل أيضا، فما إن صفا الجوللطرف المنتصر في الحرب حتى سارع لتعزيز انتصاره على الأرض من خلال السيطرة على الممتلكات العامة والخاصة وتوزيعها على الأقارب والشركاء واعتبارها غنيمة حرب، مما أثار حفيظة من كانوا شركاء في إعلان الوحدة من الجنوبيين الذين طالتهم إجراءات وصفت بالقاسية، وتوسعت دائرة الاحتجاج يوما بعد آخر حتى انطلق ما بات يعرف بـ”الحراك الجنوبي” في العام 2007م مطالبا بانفصال جنوب اليمن عن شماله.

ومطلع العام 2011 اندلعت ثورة شعبية عارمة تمكنت من إسقاط  نظام صالح وفق تسوية سياسية أبقت على نصف حكومته وأشركت معارضيه في السلطة الحالية، وفي حين أزيح صالح عن موقعه في رئاسة البلاد لا يزال البيض يتحين الفرصة للانفصال بالجنوب اليمني وإقامة دولة جديدة.

بالأمس كان البيض يلقي خطابا في أنصاره المطالبين بالانفصال في مدينة عدن بينما صالح يلتقي أنصاره في منزله بصنعاء، وكلاهما كانا يتحدثان في الاتجاه المعاكس لما أعلناه ذات يوم قبل قرابة ربع قرن, وبدا الأول مناهضا للوحدة والثاني متوعدا السلطة لينفرد الرئيس اليمني الحالي/ عبدربه منصور بتوجيه خطاب ضاف لليمنيين يتحدث عن حضور الوحدة وأولويتها في وعي السلطة وممارساتها.

يتذكر اليمنيون ما حدث في العام 1990م وكيف كانت الفرحة بادية على وجوه الجميع، واسما “علي صالح” و” علي البيض” وصورتهما وهما يرفعان علم الدولة الوليدة تتصدر الحدث والأحاديث، وهوما لم يعد اليوم موجودا إن لم نقل أن الصورة انقلبت لدى غالبية اليمنيين إلى النقيض تماما.

صالح الذي كان يصفه مساعدوه بـ”صانع الوحدة” أجبر على مغادرة السلطة وهويحمل على كاهله عددا من الاتهامات أبرزها يتعلق في كونه المتسبب الرئيس في تحريض جزء من الشعب ضد الوحدة بفعل ممارسات نظامه بحق الجنوبيين.

أما البيض الذي كان في أوج احتفالات الوحدة رمزا للتضحية كونه تنازل عن موقعه في رئاسة الدولة من أجل تحقيق الوحدة، هواليوم أكثر من يسعى لوأد ما تبقى من هذه الوحدة، بل أنه صار في كثير من خطاباته وبياناته ينكر “يمنية الجنوب” ويصف السلطات القائمة حاليا بأنها “احتلال يمني للجنوب”.

ما يفصح عنه بعض الساسة في اليمن أن كلا الرجلين “صالح والبيض” ساهما في الإساءة للوحدة، الأول بممارساته والآخر بتحريضه، وكما تكاملت جهودهما في تحقيق الوحدة هي اليوم تتكامل وتتآزر لكن في الضد من ذلك، وعلى غير اتفاق بينهما.

اليوم يحتفل كل شخص على طريقته ووفق موقفه وتبعا لرغبته، لكن ما أراه جديرا بالاحتفاء والاحتفال هوالانتصار لليمن على مشاكله وتحدياته الراهنة وأهمها ضعف الأمن وتردي الاقتصاد وتدهور الخدمات وتوقف التنمية.

وإن كان للروح أن تحتفي بالمناسبة بعيدا عن صخب السياسةفإن ثمة ما يدعوللإنصات للفنان المبدع/ عبدالرب إدريس صاحب الصوت المعجون بالحناء الحضرمي، في شدوه العذب رائعته الغنائية الخالدة:

“هذي اليمن

تاريخها محفور على جدار الزمن

من عهد من؟

من عهد بلقيس وسبا

وأروى التي حكمت عدن

وعهد سيف بن ذي يزن

أنت وأنا

من أصل واحد كلنا

أصل العروبة كلها

نابت من جذور اليمن

هذي اليمن”

ولنتقاسم معه الحنين إلى محبوبة “رحلت

وما تركت سِواها

فهيحاضرةُ ..

وإن غابت

كظل الحلم..”

ولعل سائلا يسأل ما علاقة هذا بالحديث عن الوحدة في ذكراها، لكن ما يربط بينهما،  نراه حاضرا وممثلا بـ”ظل الحلم”، فالوحدة اليمنية ظلت حلما طالما تغنت به الأجيال قبل عقود من إعلان الوحدة، ومن لم يسمع تلك الأغنية الوطنية وهي تخاطب الوحدة/الحلم:

أيا وحدة الشعب حلم السنين.. ويا روضة الحب للعاشقين..

وفي سماع صوت إدريس ممهورا بـ” القهوة السمراء في أقداحها”،  ما يفي ويكفي، بل  ويغني عن سماع عشرات البيانات التي لا تكف عن تكرار نفسهابمناسبة وبدون مناسبة، فيما الوحدة غدت كابوسا يثير رعب الهاربين منها إلى جزر مفرقة ممزقة، وهناك من بات يرى “أن رحيلها كوصالها .. سيان”،

كما تقول أغنية “أشياؤها حولي”، التي تنساب كلماتها ندية يحفها الثنائي المبدع لينا أبوبكر شعرا عذبا وعبد الرب إدريس لحنا وغناء.

 

مقالات الكاتب