كفاية ضغينة وخراب !!

السياسي الذي يشحنك بغضًا وغضبًا هو في الحقيقة يدفعك لحافة الجنون أو الأنتحار ، كما والقائد الذي لا توجد لديه غير مفردة الكراهية وغير إلجام الآخر المختلف ولو بإلاغتيال ، فهذا ومهما علأ شأنه فإنه لا يستحقك ، إنَّه وبكلمة وجيزة يسلبك روحك ويمنحها شيطانه الكامن في أعماقه .

قلت مرارًا ، وحذرت من تبعات حشد النَّاس على أساس العصبية العمياء للمكان ، لكن لا قيمة وازنة للكلمة والنصح وفي بلد استبدَّ فيه من يمتلك أدوات العنف ويرتقي فيه من يلقي بالنَّاس إلى مهاوى الردى .

نعم ، فلم يكن بمقدورنا وقف ذاك الطوفان الجارف ، فلقد خُيل لهم أنهم يفعلون الصواب بالنظر إلى كثافة الإتباع وسرعة الاستجابة ، فدانت لهم الجماهير وأكتظت الساحات العامة .

غفلوا حقيقة واحدة وهي أن عشرة أشخاص واعون ومدركون لماهية الرسالة أو الغاية افضل من مئة وألف ومليون تحركهم العصبية والغضب ورغبة الانتقام .

لا اريد وطنًا يسلبني كرامتي وإنسانيتي ، فهذا ليس وطنًا وانما سجنًا ضخمًا يجردني من أغلأ ما يُفطر الإنسان عليه وهو الحرية، كما وينزع عني آدميتي وانتمائي ، وطالما اعتقدت زمنًا أنها أخر ما بقي لي في الوجود .

الوطن ليس مساحة تراب وأناس يولدون ويموتون فيدفنون في ثراه ، وانما هو ذاك الذي يمنح الإنسان آدميته وكرامته ، وهو من يستحق أن تعيش لأجله وفي سبيله ، ومتى حفظت كرامة المواطن وحقّه حتمًا سينتصر الوطن ويرتقي لمصاف بقية الأوطان المتربعة قائمة الحضارة البشرية .

إذا بُجلّت كرامة النَّاس ، فبكل تأكيد سيأتي الخير ، وستزهر الحقول والسهول ، وسيفيض المحيط بخيره ، وستتحقق العدالة والتنمية والديمقراطية ، وسيسود النظام العام .

تعبنا يا هؤلاء ، فهل يوجد فيكم ثمة من يفهم ويستوعب ؟ وهل فيكم من يُحس ويتألم لحالنا في كنف حرب وخراب وجائحات امراض ومجاعة وخوف من الحاضر والقادم ؟؟.

 فلا كهرباء أنارت عتمة ، أو مرتبات صُرفت واشبعت جائعًا ، أو عملة استقرت ، أو خدمات نظافة وصحة وتعليم ونقل واتصال توافرت ، أو أن الأسعار توقف صعودها ، أو أن النظام العام تحقق أو إعادة الإعمار ناجز أو أنه في طريقه ، أو أو الخ .. 

إلى إين تمضون يا سادة ؟ ومتى ستتوقفون عن عبثكم ؟ وهل هنالك ثمة فارق بين سدنة هناك وجماعة هنا ، فجميعكم طارئون وقاتلون لأحلامنا وتطلعاتنا كمواطنين ينتمون لحقبة الألفية الثالثة وليس للعصور الوسطى ، كما وجميعكم أقل وأدنى مما نريد ونروم لبلوغه ..

الوطن الذي يتم اختزاله بصفوة عنصرية أو مناطقية أو مذهبية ليس وطنًا يدعو للاطمئنان والزهو .

حسنًا هادي منح مناطق الضالع وردفان ويافع  - مضطرًا - شيئًا من فتات سلطانه ، لكنه بالمقابل وزع الوظائف وبكرم حاتمي على عترته وأقاربه ومواليه ، وجاراه الزبيدي - مضطرًا - فلم يغفل أبين من غنيمة المناصب فاعطاها ولكن أقل مما تستحق .

وإذا كان هذا فعل الثائرين على الظلم والظالمين ، وإذا كان هذا سلوك من يحمل راية الدولة والنظام والعدالة والحرية ؛ فعلام اللوم للسيد عبد الملك في استحواذه على كامل مقدرات بلد مانحًا إياها لعترته وأتباعه ؟!.

في المحصلة جميعكم تمارسون ذات السلوكيات الضيقة الأنانية المناقضة تمامًا لأقوالكم ووعودكم بوطن يتسع لكل أبنائه ، فما هو ممارس ومشاهد  لا يستقيم مطلقًا مع ابجديات أي سلطة تروم لغاية وطنية جمعية تتحقق فيها العدالة والانصاف لكافة فئات الشعب .

الثلاث الفئات وان تباعدت المسافات أو اختلفت المسميات والرايات ، لكنها تتماثل في رغبة الاستحواذ والاستئثار بكل مقدرات السلطة والدولة ، فالذي في عدن يضاهي الموجود في الرياض ، فكلاهما يتوازيان من جهة أنهما ليس حلًا ناجعًا وعادلًا للجنوب ولليمن عمومًا ، كما وعجزا عن تقديم انموذجهما الوطني كبديل للحالة السلالية الصفوية في صنعاء باعتبارها أكثر حدة وقسوة . 

والخلاصة اليمن يستلزمها دولة يمنية اتحادية عادلة ، وهذه الدولة لن تنجز بغير مفاهيم ومعايير حداثية انتقالية تنتقل باليمنيين من الحالة الراهنة أسيرة ماضيها إلى الحالة المستقبلية المنشودة لكامل الأجيال الحاضرة أو القابلة .

كما واليمن لن يصلح حاله غير دولة عادلة نقيض كل ما ساد وباد ، فلا وحدة تحققت بالقوة أو الانفصال ممكنًا بالقوة ، وهذا المنطق العنيف خبرناه وجربناه زمنًا طويلًا فلم يجدِ نفعًا ، بل وكان سببًا في كوارث ومآسي هذه البلاد ، وإلى اللحظة الحاضرة .

كفاية خراب ودمار ودم نازف ووجع وحزن ، فلابد من خيار ثالث يؤسس لدولة نقيضة لكل ما ساد من هيمنة وجبروت وظلم وصراع ، كما وكفاية اكاذيب ومغالطات وانانيات ، فما من جار أو صديق أو شقيق احرص على اليمنيين من اليمنيين ذاتهم .

أمَّا الشيء المؤكد والحتمي هو أن اليمن لن تحكمها - بعد الذي صار -  سلالة أو طائفة أو هضبة أو منطقة أو قبيلة أو عائلة ، فهذه جميعها وأن تحاربت قرنًا من الزمن فإنَّها لن تؤسس لدولة وطنية عادلة ومستقرة سياسيا واجتماعيا ..

مقالات الكاتب