هل قررَّ الحوثي تغيير وجهته إلى بيحان بدلًا عن مأرب؟

توقفت معظم الجبهات عن المواجهات باستثناء جبهة مأرب؛لأهميتها السياسية والاقتصادية والإدارية ،كشعرة رفيعة تربط الشمال بالجنوب بالنسبة للشرعية،وبالأهمية ذاتها بالنسبة للحوثيين؛كأهم محافظة اقتصادية شمالًا؛لما تملكه من ثروات هائلة من النفط، والغاز وهو الشيء الذي ظل الحوثي يتطلَّع لإحكام قبضته على حقولها التي لايصله منها سوى نفايات الدخان المتصاعد منها،ليقرر اقتحامها كحل وحيد يخرجه من ضائقته الاقتصادية من جهة، ولتحسين شروطه التفاوضية كممثل للشمال من جهة أخرى،وهذا لن يتم إلا بسيطرته عليها،وهذا ما عجز عنه الحوثيون منذ بداية الحرب رغم الخسائر،والأثمان الباهظة التي دفعها للوصول  إلى حقول النفط التي لايفصله عنها سوى أقل من خمسة عشر كيلو فقط.

لذا يبدو أنه قرَّر تغيير وجهته باتجاه بيحان للوصول إلى منابع النفط في محافظة شبوة؛ كخاصرة رخوة يسهل تجاوزها بعد أن انكسرت موجات فلوله المتتالية دون أي اختراق لحصون مأرب وقلاعها المنيعة .

لذا قرَّر الحوثيون تغيير وجهتهم باتجاه بيحان التي يبدأ الطريق إليها بالسيطرة على جيوب المقاومة التي تقع خارج سيطرتهم في محافظة البيضاء،لتأمين خط سيرهم باتجاه بيحان للوصول إلى حقول النفط في محافظة شبوة،وهي ذات الغاية،ونفس الهدف الذي ضحَّى من أجله في مأرب وتحطمت دونه كل زحوفاته وحشوده ولم يصل إليها.

لذا بات واضحًا أن الهدف الذي يريده الحوثيون من سيطرتهم على الجيوب التي كانت تسيطر عليها الشرعية في محافظة البيضاء ليست هدفًا لذاتها؛ بقدر ما هي وسيلة فقط لتأمين خط سيرهم الجديد الذي سينطلق من البيضاء نحو بيحان التي لايفصله عنها -أصلًا- سوى نفس المسافة التي تفصله عن مأرب أو تزيد قليلًا،وعلاوة على ذلك فهي تبدو له أقل تحصينًا من مأرب التي باتت مهمة الوصول إليها مستحيلة . 

لذا فالطريق إلى بيحان وفقًا لاستراتيجة الحوثي الجديدة تبدأ بالقضاء على جيوب المقاومة في الصومعة ووصولًا إلى عقبة الحلحل التي تمر عبرها طريق جبلية وعرة تستخدم كخيار بديل عن الطريق الأسفلتي الذي يمر عبر عقبة ثرة ،ويربط  بين المحافظات الجنوبية والشمالية عبر البيضاء أبين والعكس،وهي العقبة التي يسيطر عليها الحوثيون منذ خروجهم من عدن،وبسيطرة الحوثي على عقبة الحلحل يكون بذلك قد قطع كل الطرق التي تربط البيضاء بالمحافظات الجنوبية من إتجاه أبين،وبهذا يكون قد فصل البيضاء ومديرية مكيراس الواقعتان على طول السلسلة الجبلية التي تفصل البيضاء عن أبين، حيث تعدُّ الأخيرة منطلقًا للمقاومة باتجاه مكيراس والبيضاء،وبهذا أصبح من المتعذر حتى أن تصل نيران المقاومة إلى مواقع الحوثي،ناهيك عن الالتحام بقواته؛لإعاقة حركة سير تقدمه نحو وجهته الجديدة، بعد أن قطع الشريان الوحيد الذي يمدُّ القوات الشرعية، ومقاومة البيضاء بالإمداد، والمقاتلين طوال الفترة الماضية .

وهذا يؤكد خطأ  تقديرات بعض المحللين العسكريين والسياسيين حين ذهبوا إلى القول بأن وجهته القادمة ستكون لودر وهذا توقع خاطئ لعدة أسباب: 

الأول:  لن يغامر الحوثي بالتوغل باتجاه لودر لأن المكاسب الاستراتيجية من دخولها ستكون قد تحققت له بمجرد إحكام قبضته على طريق  الحلحل، إلى جانب سيطرته على  طريق عقبة ثرة، وبهذا لن تتمكن المقاومة من الوصول إلى مواقع الحوثيين نتيجة الارتفاع الشاهق الذي يفصل بين القوتين،والذي يقدر بمسافة 12170 مترًا عن سطح البحر،لذا ظل أي تحرك للمقاومة هدفًا مباشرًا في مرمى نيرانه .

الثاني: إن  لودر بذاتها لاتعدُّ هدفًا  استراتيجيًا بالنسبة للحوثيين لأن الغاية من السيطرة عليها ستكون قد تحققت بفصل سلسلة أبين الجبلية عن سهلها الذي كانت تنطلق منه المقاومة إلى البيضاء،بالإضافة لإدراكه بتبعات هذه المغامرة التي ستتطلب منه أعدادًا كبيرة من المقاتلين لتغطية رقعة سهلية مفتوحة مترامية الأطراف،ليس له حاضنة شعبية فيها وهذا سيجعل من آلياته وأفراده صيدًا سهلًا للمقاومة.

تبقى هناك أسئلة كثيرة يثيرها التوقيت الذي اختاره الحوثي لتغيير خط سيره ، والتي قد تبدو مبررة من وجهة نظره، بعد أن عجز عن الوصول إلى مأرب طالما ووصوله إلى بيحان سيحقق له نفس الغاية من وصوله إلى مأرب،وربما بأقل تكلفة إذا  قارننا بيحان بمأرب من ناحية الإعداد ،والتنظيم والتجهيز، نوعًا وعددًا.

لكن ما لايجد المتابع تبريرًا له هو الانهيار المتسارع لهذه الجبهات التي لم تصمد إلى مغيب شمس اليوم،وكذا غياب الإسناد الجوي، وحالة اللامبالاة التي عكستها ردة  الفعل العسكرية والسياسية، والإعلامية الباهتة من قبل الشرعية والتحالف على حد سوى .

فهل باتت تحركات الحوثي الأخيرة منسجمة مع الدور الموكل له كمشرط لتقسيم الرقعة الجغرافية؟ ليرسخ واقعًا جديدًا على ضوء نتائجه سيتم رسم الخارطة الجديدة لليمن،وهل  توقف بقية الجبهات- التي يشرف عليها التحالف- الهدف منها تسهيل مهمة الحوثي ؟ قبل الذهاب إلى طاولة المفاوضات ؛ستقابلها خيارات أخرى  سيتخذها التحالف في مناطق سيطرة الحوثي من خلال تفاهمات غير معلنة بين القوى التي تدير الصراع، وتوجه مساره؛وفقًا للأسباب،والدوافع الحقيقة التي جلبت التدخلات الإقليمية، والدولية، وأوجدت الصراع؛ لتأكل الثوم بأسنان اليمنيين ،وتتترك لهم رائحته الكريهة لتعقيم أفواههم.

مقالات الكاتب