سُوق الوهم

ما أفظع أن ترى الوهم يرتفع سهمه ويصعد في سوق المزاد ، وبلا توقف . لا شيء تبدل في المزاد غير اسماء باعة ومشترون وسماسرة ، وغير وجوه تبدلت ملامحها في ظرفية وجيزة ، وأصوات مزعجة مؤذية ، وغير غايات ضيقة يتهافت عليها صغار القوم وجهلائهم ..

وأعجب ما في سُوق الوهم هو أن الكلام بضاعة ، والناس سلعة ، والبائع والمشتري أدوات رخيصة ، واذا ما بحثت عن شيء محسوس فإنك لن تعثر عليه ، فمن في هذا السوق هم باعة ومشترون وسماسرة أو سُذَّج وأشقياء .

تمضي الأيام والشهور والأعوام ، وهم على منوال واحد من الحماسة والقناعة . لا أحد منهم يفتر أو يسأم من تكرار الكلام ، وتكرار المزاد ، وتكرار الخسارة ، وتكرار الوهم ، بل ويكررون فعلهم الساذج والمعتاد ودونما يتورعون أو يتوقفون للحظة .

إذا كان مسارك خاطئ فلا يمكنك بلوغ غايتك مهما بدت لك الطريق سالكة والوسيلة ممكنة ، ففي الحالتين انت في الدرب الغلط ورهانك لا يستقيم مطلقًا مع المنطق .

ولكن لا معنى للمنطق لمن أتقن الخطأ وأجاد فعله بعفوية وحماسة وتكرار ساذج ، وفي مزاد علني نحن بضاعته ، ونحن البائع والمشتري ونحن الوسيط .

المهم في السوق ليس النفع والفائدة ، وإنما الحماسة الزائدة ، فكلما زاد العرض عن الطلب توجب عليك الإفراط في التفاؤل وترك التشاؤم ، وبرغم كساد البضاعة لا تأبه إذا ما حل العيد وانت بلا ملبس أو معاش أو أُضحية ، فالأهم أن تصدِّق وتوقن بأن كل ما تراه هو من أجلك وفي مصلحة وطنك .

السوق هو الثابت ، وهو المبدأ ، وهو الاداة وهو الغاية ، والوجوه الصاعدة - باعة ومشترون وعرَّابون - ثوابت لا مساس بها . كما وعليك أن تؤمن بإن الوهم بضاعة رائجة ، رغم أن النَّاس صارت قاب قوسين من الفناء .

ومع هذه الحقيقة المُرَّة ، المزاد يرتقي والأصوات لا تتوقف أو تخفت ، فالسوق يزيد ويتضخم ، وكلما زادت معاناة اليمنيين وقلت فرصهم في السلام والاستقرار ، زادت بالمقابل أوهام المكاسب وصناعة الطغيان والأصنام، كما وأهُدرت فرص إنقاذ النَّاس من العبث والخذلان.

مقالات الكاتب