بقرة بني إسرائيل!!

حذرت الجنوبيين من المتنطعين وما أكثرهم ، فلقد خشيت أن تصير القضية الجنوبية مثل بقرة بني إسرائيل ، حينها قامت علي الدنيا ، إذ تعرضت لحملة إساءات ، وحجة هؤلاء أن القضية أسمى وأنزه من وصفها ببقرة بني إسرائيل .

والحقيقة أنها مسألة سياسية ، وليست صنمًا نعبده وحينما نجوع نأكله تأسيًا بعرب الجاهلية ، وبما أنها مسألة سياسية فيتوجب حلها ومعالجتها بفعل سياسي وطني تاريخي .

وهذا بالضبط ما تم في مؤتمر الحوار الوطني الذي أعده افضل حدث في التاريخ الحديث ، وتاليًا في مشاورات الرياض .

الآن اسمع وأرى أصواتًا صادعة رافضة لنتائج مشاورات الرياض ، وهذه الاصوات نسخة محدَّثة من تلك الأصوات التي خوَّنت السياسي محمد علي احمد ورفاقه في مؤتمر الحوار في صنعاء .

ظلَّت طوال الأعوام الأخيرة تقدح وتهزأ في مؤتمر الحوار ودونما نلمس منها إجراءات موضوعية تؤكد خطأ المشاركة وصواب المقاطعة ، فعلى العكس بقت على ذات المنوال ، تأكِّل عوام النَّاس شعارات ودعوات ثورية صاخبة وحمل الآخرين وزر الأزمات السياسية والاقتصادية ، وكأنما هؤلاء معارضون منفيون في لندن أو واشنطن .

ما أخشاه الآن هو أن نتائج مشاورات الرياض ستصير مثار جدل وتندر وبكاء على اطلال باعثة للشفقة والرثاء بدلًا من أن تكون نتائجها فاتحة لعهد جديد يؤسس لمرحلة انتقال سياسي يحقق السلام والاستقرار واستعادة الدولة اليمنية بإعتبارها الغاية المنشودة من كل الفرقاء السياسيين .

نعم الأيام المقبلة ستكون اخر الفرص الممكنة ، فإما أن السلطة الجامعة لفرقاء الشرعية بمقدورها الفعل السياسي في واقع الممارسة وإما أنها ستكون مشكلة جديدة منتجة لأزمات قابلة ، وهذه لا يتمناها أحدا ، بما فيهم المناوئين لها .

الحرب وتبعاتها المأساوية خلقت ظروفًا مجتمعية لم تكن في حسبان أكثر المتشائمين ، فالمواطن اليمني لم يعد يكترث بشيء غير حاجاته اليومية الضرورية ، إذ همّه منصبًا في توفير هذه المواد والسلع الأساسية وأن استلزمت منه التخلي عن بعض من كبرياء وكرامة .

وهذا ما لم يدركه القادة السياسيين أو النخب المثقفة ، فهاتين الشريحتين للأسف ما فتأت تخوض غمار جدل ثوري سفسطائي لا يسمن أو يغني من جوع .

الجنوبيون تحديدًا ابتلوا زمنًا بهاتين الفئتين الصاخبتين الآن بقوة ، فمنذ ما قبل استقلال الدولة الوطنية وحتى اللحظة الراهنة مازلنا فيها محلك سر ، نصحوا على شعارات وننام على هتافات وبلا أدنى أعتبار لتاريخ طويل من الإنتفاضات ، ومن الثورات ، ومن التضحيات ، ومن الشعارات التي تبخرت في الفضاء مثل فقاعات لم تحتمل تيار هواء عابر .

حتمًا ستبرز خلال الأيام القادمة أصواتًا صاخبة ، والحقيقة أن هذه الأصوات الرافضة لنتائج مشاورات الرياض لم تستوعب بعد أنه ما من أزمة وما من قضية تبقى مفتوحة وبلا منتهى أو حل . 

كما والأخطر أنه ليس لديها خيار أو بديل سياسي يؤسس لمرحلة جديدة يمكن الاعتداد بها ، بل وعلى العكس سنشاهد ردة فعل غاضبة لا تقدم لليمن واليمنيين الَّا المزيد من الأزمات والصراعات والانقسامات في المجتمع .

اليمنيون سحقتهم الحروب والصراعات العنيفة وتبعاتها المأساوية ، ومعظم هذا العنف ليس له ما يبرره غير الرغبة الجامحة في السيطرة على الحُكم بما يعني من تمايز وسطوة ونفوذ .

ومن يظن أن الدماء النازفة في الحاضر يمكن فصلها عن ماض من الهيمنة والاستعباد ؛ أجزم أنه يجهل تاريخ اليمن قديمًا وحديثًا .

مقالات الكاتب