صُنَّاع الأمل وصُنَّاع المواجع!!

المسؤولية ليست وظيفة وموازنة وسطوة وهيلمة ، وإنما هي أمانة وكفاءة وقدوة ، وما يتركه الإنسان من أثر طيب في الواقع وفي نفوس النَّاس. 

للأسف غالبية المسؤولين نسوا أنهم موظفين وأن ما ينفقونه هو مال عام ، ومن حق أي إنسان بسيط أن يسألهم عنه ، بل يمكنه مقاضاتهم أمام سلطات القضاء.

قلة قليلة من المسؤولين يمكن اعتبارهم كنموذج جدير بالثقة ، فالوزير أو المحافظ الذي يخلق ظروفا للعمل في بيئة محبطة فهذا الصنف ينبغي أن ترفع لهم القبعات وتكتب لهم كلمات الإشادة والثناء.

فما نحتاجه الآن هو النموذج الطيب الذي بمقدوره صناعة الأمل في حياة مجتمعنا الذي يعاني من قساوة الظروف المعيشية والحياتية ، ومن صنَّاع المواجع وما أكثرهم ، فمثلما يقال إن أكبر القتلة هو من يقتل الأمل في نفوس النَّاس.

فحين تشاهد الوزير نائف البكري وهو يتحدى الصعاب ويقوم بأفعال ميدانية وملموسة ، رغم الحالة القاهرة والاستثنائية ، فهذا يعطينا انطباعا جيدا يقلل من سوءة الوضعية الراهنة.

كذلك عندما ترى الوزير الفريق محسن الداعري وهو يقاوم وبهوادة كيما يجمع شتات المؤسسة العسكرية ، ويعيدها لجادة المهنة والانضباط والمسؤولية الوطنية ، فهذا أمر في غاية الأهمية ، ويمكنه مداواة كثير من الجروح والندوب العالقة في الروح الوطنية الجمعية.

وفي كلا الحالتين الوزيرين لا ينفقان من حسابهما الخاص وإنما فعلا ما فعلا من مال هذا الشعب ، الفارق أنهما سخراه في صناعة الأمل والتفاؤل ، وفي وقت عصيب انصرف فيه العوام إلى الحديث عن الإخفاقات والأزمات المستفحلة في حياتهم.

شتان ما بين وزير يقوم بترميم وإصلاح ما أفسدته الأزمات والحرب ، وبين وزير جُلّ همّه ترميم ذاته وبناء مكاسبه الشخصية. 

والحقيقة المُرَّة عندما تسخر قدرات الدولة لأجل منافع فئوية وذاتية ، مثلما حصل في مشروع اتصالات "عدن نت " أو يحصل الآن في ميناء عدن ، أو في الجمارك ،أو الضرائب ، او الأراضي ، أو الكهرباء ،او سواها من المؤسسات الحكومية الخدمية والإيرادية.

المسؤول الذي يعمل وفي ظرفية معقدة كهذه ، مؤكد أنه سيجابه وربما سيتعرض للإبتزاز والتشويه ، لا لشيء غير أنه انتهك دون قصد لمبدأ بيروقراطي عتيق أو أنه لم يعر اهتماما للخطوط الحمراء أو الإلغام الشائكة في دربه.

وعندما تستقصي عن طبيعة المخالفة إن وجدت ستكتشف أن المال تم إيداعه لخزينة الوزارة أو الجهة ودونما نقصان ، وإن إنفاقه تم للصالح العام فلم تكن طريقة الاستلام او التسليم الا واحدة من النوايا الحسنة ، اذا لم نقل أنها محاولة مرتجلة قصد بها تجاوز عديد من المثبطات البيروقراطية.

وفي المقابل لا احد يسأل عن مقدار العبث الذي حصل هنا او هناك رغم حصوله على مسمع ومرأى العامة ، فهناك من استلم معدات اتصالات بعشرة مليون دولار كمنحة مقدمة من دولة في التحالف ، فأبى إلَّا أن يحصل على قيمة الصفقة من خزينة الدولة وبوثائق تم استخراجها من شركة اتصالات دولية.

وهناك من يلهف مئات الملايين المستحقة للدولة من الجمارك أو الضرائب او الرسوم ، وبكل وقاحة وجبروت يتم تصريفها في بناء واستثمارات خاصة ، وعيني عينك وبلا أدنى اعتبار للقانون أو الأخلاق أو الواجب أو المسؤولية.

نعم ، عندما اشاهد وزير الشباب يكرم فردا أو منتخبا ، فإنني أعتبر فعله لفتة طيبة وكريمة ، ومن مال الشعب ، وكذلك حين أراه يشيد ملعبا رياضيا أو يزرع عشبا طبيعيا لملعب ترابي فإنني أشعر بثمة أمل يتسلل إلى نفسي المحطَّمة بسبب صنَّاع المواجع وأفعالهم الكارثية والمأساوية في حياتنا اليومية.

والحال ينطبق على أفعال الوزير الداعري الذي أعاد اولا الهيبة لمنصب وزير الدفاع ، فالرجل لم يأت بالواسطة أو المحسوبية وإنما بكفاءته وقدراته العسكرية الإحترافية ، على اعتبار أنه خريج الأكاديمية العسكرية ، وحصل فيها على المرتبة الأولى في دفعته ، ناهيك أنه شغل عديد من المناصب القيادية العليا، وليس آخرها قائد للواء في مأرب ، فضلا عن أنه أحد جرحى الحرب.

الوزير الداعري أعاد الهيبة لوزارة الدفاع ، إذ يحسب له استقطاب الكفاءات العسكرية والاستفادة من خبراتها ، وتحريك عجلة المؤسسات التعليمية والتدريبية والمالية والخدمية التي كانت واقفة أو متعثرة أو أكل عليها الزمن وشرب.

إلى جانب محاولاته الجادة لربط كافة الجبهات القتالية في إطار عملياتي فني إحترافي واحد ، وكذا جهوده في الإشراف على عملية الدمج لمختلف صنوف القوات وتجهيزها فنيا وقتاليا.

 وغيرها من البرامج التي يشتغل عليها الوزير ونوابه ومساعدوه من رؤساء الدوائر والمحاور المعنيين في هيكلة الجيش وإعادة جاهزيته ومؤسساته.

فالجيش بوضعه البائس فقد إحترامه وهيبته وتراتيبيته المتعارف عليها في جيوش الدول ، ومع توالي الازمات والنكبات لم يعد جيشا واحدا ، وانما بات جيوشا اقطاعية مليشاوية متناثرة لا جامع له أو آمر يمكنه السيطرة على هذه القوات.

مقالات الكاتب