المكحل الذي هزم المليشيات مرتين

ظنت المليشيات الحوثية أن تصفية حمدي عبد الرزاق، سيضمن لها التخلص من ناشط مؤثر سبب لها صداعا في محافظة تصنفّها في خانة المدن المطيعة، لكن هذه الخطة التي كممت الأفواه ودفنت آلاف القضايا طيلة سنوات، فشلت بشكل ذريع، وجعلت الصوت المخنوق يتحول في أول يوم رمضاني إلى هدير غاضب، يلعن المجرم، ويتوعد العصابة.

"اشتقتلونا، اقتلونا، والله ما معكم إلا تقتلونا". هكذا كان المكحل يتوقع المصير الذي ينتظره جراء مقارعة الطغيان الحوثي من مدينة مستباحة للمشرفين، لكنه لم يتوقع أن تتم تصفيته بتلك الصورة الدنيئة والغادرة داخل منشآه مهمتها توفير الأمن للناس، ولم يكن يتوقع أيضا أن موته، سيجعله يُخلّد في ذاكرة الناس كقصة ملهمة.

هزم المليشيات وهو على قيد الحياة، وكرر ذلك في طريقة موته، ثم في مراسيم تشييعه المهيب، وبعد ذلك في الحزن الذي عم البلاد.

يكفي المكحل، أن نهايته جعلت الناس يتذكرون المجزرة التي ارتكبتها المليشيات بحق عشرات الأفارقة الذين تم إحراقهم عمدا داخل مقر الاحتجاز في صنعاء، وكشفت للمليشيات أيضا، كيف ينظر الناس لها داخل مدينة إب الأبية، وكيف سيعبر الناس في صنعاء وباقي المدن عن مشاعرهم تجاهها، لو أن حرية التعبير متاحة، والتظاهر مسموح.

كان المكحل يلعن المليشيات وأفعالها أمام الملا، ويبدو أن جريمة تصفيته البشعة ستتحول إلى لعنة تخسف بالكهنوت، وتزيد من سقوطهم الأخلاقي يوما بعد آخر، وما الارتباك والتبرير البليد الذي شاهدناه لمحاولة طمس جريمة التصفية، إلا مشاهد أولية لسقوط طويل الأمد.

فقدت المليشيات مهارات التضليل في غمضة عين، ولم يكن أمامها سوى العودة إلى سيناريوهات أفلام الثمانينات، عندما كانت نوافذ دورات مياه مراكز الشرطة الكرتونية الطريقة الوحيدة لفرار، بعد ايهام السجان أنه لا يزال بالداخل بفتح صنبور المياه.

الآن، ونحن في العام 2023، تريد المليشيات الاستخفاف بعقولنا أيضا وتريد منها أن نصدق روايتها، التي لم يقتنع بها قادة المليشيات أنفسهم، الذين خرجوا الينا بالعذر الأشد قبحا من الذنب: "طلع هاشمي". نعم هكذا قالوها دون خجل. إسكات الناس هذه المرة برواية عنصرية قدّمت المكحل بلقب المتوكل، وكأنه لا يحق للناس التضامن مع الضحية الخاص بهم فقط.

دم المكحل وصراخ أطفاله سيظل لعنة تلاحق الحوثيين إلى الأبد، وهدير مشيعيه سيقض مضاجهم، لكن الأهم هو أن يظل حاضرا في ذاكرة اليمنيين كقصة ملهمة لا أن يتم التعامل معها بشكل عابر، كما يحصل مع الحملات الالكترونية التي لا يتجاوز عمرها الافتراضي 24 ساعة فقط.

مقالات الكاتب