اليمن الاتحادي هو الحل

بين الفينة والأخرى ونتيجة للحالة اليمنية المضطربة سياسياً منذ عقود تظهر إلى السطح دعوات مختلفة يَعتقدُ أصحابها أنها الوصفة الأنجع لحل المُعضلة اليمنية، بينما لا يؤمن بها آخرون لنظل في دوامة البحث عن مخرج يمكنه تقديم على الاقل مقاربة إن لم يكن حلاً نهائياً وجذرياً للمشكلة ، وتبرز هنا إلى الواجهة فكرة اليمن الاتحادي الذي كانت نتيجة نقاشات مؤتمر الحوار الذي شاركت فيه كل الأطياف بما فيها الحراك الجنوبي والحوثيين الذين انقلبوا لاحقاً على فكرة اليمن الاتحادي وقدموا وصفات أخرى لم تكن ضمن تطلعات اليمنيين ، ولم تقدم حلولاً حقيقية للمُشكلة ، وذهب الحوثيين إلى الحرب والانتقالى إلى التصعيد على الأرض ، ولا نتيجة إلا المزيد من تعقيد المشهد السياسي اليمني ، والذهاب للمزيد من التفرقة والصراع البيني غير المبرر وغير المؤدي إلا للمزيد من التشرذم .

يشكّل النظام الاتحادي الفيدرالي نموذجاً مميزاً في الهندسة السياسية وقادراً على معالجة المُشكلة اليمنية والتي تركزت في المركزية الشديدة وحرمان الاطراف من المشاركة الفاعلة في السلطة والثروة ، وهذا النظام قادراً على جلب التوزان ليس على مستوى الاقاليم فقط في حال الدولة الواحدة بل على مستوى الدول في حال وجود أكثر من دولة فيه ، وفي الحالة اليمنية سيكون الحل الأنسب الذي سيوفر التوازن وسيحدُّ من نظام تزكّز السلطة والثروة في العاصمة ، وحرمان الاقاليم من الاستفادة من ثرواتها بالحد الممكن والمنطقي والذي ينظمه الدستور القائم على تحقيق التوازن الايجابي بين المستوى الفيدارلي والمستوى المحلي دون الاضرار بأي من التزامات وتطلعات المستويين .

من وجهة نظر اقتصادية يضمن النظام الاتحادي الفدرالي قدراً من سهولة التبادل التجاري بين أقاليم الدولة الواحدة ، كما يُتيح الإبداع والتنوع في الممارسة الإدارية بين الوحدات الفدرالية، وهو ما يؤدي في المحصلة إلى بروز نماذج أكثر تطوراً وقادرة على ابتكار أساليب فعالة لتقديم مزيد من الخدمات وبجودة أفضل تتجاوز ما يسير عليه النظام الكونفدرالي ، كما يوفر النظام الفدرالي تكريساً للتعددية والتنوع، وهذا مصدر من المصادر المهمة لإثراء للدولة على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والإدارية.

ولنكون أكثر تدقيقاً فإن المساوئ التي شربنا مراراتها لا تعالج بالاسوأ منها ، فالنظام الكونفدرالي المركزي الذي يود الحوثيون العودة إليه ، والعودة بالامور للوراء لخيارات قديمة تؤدي للتفرقة والتشرذم كما يرغب الانتقالي ، هذه الخيارات لن تحل المشكلة وإنما ستصنع معضلات جديدة سنغرق فيها من جديد ، وستكلفنا كثيراً من الجهود والأوقات والامكانات وسنعود للبحث عن مخارج من جديد ، وسيوصلنا البحث للنظام الذي ننادي به اليوم ، وقد جربته شعوب وأمم عانت مما عانيناه فكان لها الوصفة الانجح والاضمن .

النظام الاتحادي سيأخذ على عاتقه إسناد تسيير الشؤون المحلية للوحدات الفدرالية وحكوماتها ، وسيوفر هذا قدراً مناسباً من التوازن والعدالة ، وسيضمن ملاءمة الخدمات والتوجهات والضرائب والإطار العام للحياة وخاصة الثقافية لتتناسب مع خصوصيات السكان في كل إقليم ، كما سيعمل النظام الفيدرالي الاتحادي على تجنب النماذج الجاهزة المصدرة من المركز والتي لا تكون غالبا واعية بالخصوصيات المحلية على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وهذا كله سيحقق الشعور بالرضا لدى الشعب وستكون نتيجة هذا الرضا الانخراط في جهود البناء والتنمية للبلد أرضاً وإنساناً ومظاهر إبداعٍ وتميّز .

دمتم سالمين ..

مقالات الكاتب