نبش في ذاكرة الصمود لمدينة عدن (ج4)

كان يوم الخميس الثاني من إبريل 2015 م شاهدا على جرائم مليشيا صالح و الحوثيين في مديريات كريتر و المعلا و خورمكسر و قتل العشرات من المدنيين بقصف الأحياء السكنية ودور العبادة و استهداف طواقم الإسعاف والصحفيين برصاص القناصة، و دمرت محطات توليد الكهرباء و الماء، وحاولت المليشيات من خلال ذلك بث الصدمة و اخفات روح الرفض الشعبي لها و إجبار الناس على الخضوع.

 

لكن جيلا تشرب العز و الفخار كابرا عن كابر ما كان أن تلين له قناة او تضعف له همه مادام و في الجسد عرق ينبض، فانتفض الأباة من كل حي وبأسلحتهم الشخصية، ملبين داعي الله وهو  يعتلي منائر المساجد أن ذودوا عن حياض أرضكم و عرضكم وشرفكم و كرامتكم، فكانت ملحمة سطرها أبطال كريتر و المعلا و التواهي والقلوعة وخورمكسر، و كانت أولى مواقع التماس في جولة العاقل بين مديريتي خورمكسر وكريتر، حيث كان مقصد المليشيات السيطرة على قصر معاشيق الرئاسي،

 

 ليلتها جاء المهندس محمد إقبال الى قائده في جبهة كريتر حسام الدين المداري ليخبره بانتواء شقيقه الشهيد أيمن بالالتحاق بصفوف المقاومة، و أبدى القائد ملاحظته بصغر سنه، وكان أيمن في الحادي والعشرين، فأصر على الانخراط في الجبهات و أمام تلك الروح لم يجد القائد حسام الدين بداً من قبوله و أكبر فيه إصراره،  ولم يكن يعلم حينها أنه يخط بذلك حروفا أولى من حكاية شهيد صغر سنه وكبر عمله.

 

كان فارق التسليح لايقارن ورغم ذلك كان إصرار الشباب المقاوم على التضحية ليس له مثيل، بل قل لا يشابهه سوى ما جاء في الخيال، و اختار المقاومون قيادات منهم لترتيب الجبهات، و كانت قيادة واعية وحريصة على دماء الشباب أن تراق على عجل، فبهت قادة  المليشيا بصمودهم و أقسموا الأيمان المغلظة بأن بين المقاومين أفغان و شيشانيون!!، وذلك بحسب إفادة أحد سكان خورمكسر حين دار حوار بينه و بين ضابط من الحرس المتحوث، الذي كان يفتش منزله، حيث أقسم الأيمان المغلظة بأن الذي يقاتلهم ليسوا سوى مقاتلين مدربين استجلبوا من الخارج وذلك لما لقوه من شراسة و استبسال.

 

قلت لعمري فإن الحق ما شهدت به الأعداء فكيف بمستوى عسكري لضابط رفيع يعي مستويات القتال و قدرات المقاتلين، لكنها الروح و الإباء عندما يجتمعان يصنعان المعجزات،

 

وفي مديرية التواهي قاد الجبهات على مداخل المدينة اللواء الشهيد علي ناصر هادي قائد المنطقة العسكرية الرابعة رغم شحة الامكانيات و تم استلام أول شحنة أسلحة من قوات التحالف عبر الجو في الثالث من أبريل في عملية إنزال فوق المنطقة العسكرية الرابعة في التواهي، وفي المعلا تصدى ابطال المقاومة في منطقة الحمراء لمنع تقدم مليشياوي من خورمكسر، و تمركز قناصة الأمن والحرس العائلي على جبل حديد المطل على ثلاث مديريات ليبدأ مسلسل استهداف المدنيين العزل، وفي القلوعة قلعة الإباء و تشكلت خلايا المقاومة و كان البطل محمد المطري و أنيس العولي و أيمن شكيب يرتبون الجبهات على مداخل المدينة في جولة (حجيف) التي شهدت بطولات الشرف والعز و انكسرت المليشيات و أجبرت على الانتظار نحو (50) يوما قبل أن يتمكنوا من دخولها، بسبب نفاذ الغذاء و الدواء و الذخيرة و انقطاع الماء و الكهرباء بسبب الحصار الذي اطبقته المليشيات.

 

كان القناصة يقتلون بلاوعي او تمييز و يستهدفون الأطفال و النساء داخل منازلهم بل وحتى الحيوانات، وكانت إستراتيجية قذرة لإجبار المقاومين على الاستسلام، بارتكاب الفظائع بالمدنيين وتزايد الضغط الانساني على أبطال المقاومة،

 

كانت مديرية خورمكسر منطلق المليشيات للسيطرة على المديريات الثلاث المجاورة، بعد سيطرتها على مطار عدن و معسكر الصولبان و معسكر بدر و ادرة أمن عدن، و ارتكبت مجازر تندى لها الانسانية بحق الأبرياء و قصفت المنازل بالسلاح الثقيل و منع الأهالي من دفن ذويهم في المقابر فاضطروا لمواراتهم في حدائق المنازل و كلية الطب و العلوم الصحية، في مشهد رهيب لاتقره تعاليم السماء ولا مواثيق الأرض، ولا ريب فالقتلة قد تجردوا من كل شعور او ضمير وتحولوا إلى آلة تحصد الأرواح و تحول الضحايا إلى أرقام مجردة تصب في مصلحة مخططهم الخبيث، ولو حكموا على جماجم الآلاف.

مقالات الكاتب