عيدروس الزبيدي.. من قمم النضال إلى قلب السياسة

يكشف الأداء السياسي لمحافظ عدن اللواء/عيدروس الزبيدي عن وعي تام بالواقع المحيط وإدراك لتفاصيله وخيوطه المتقاطعة والمتعالقة، رغم قصر فترة تجربته في العمل الإداري وتحمله المسؤولية في مرحلة غاية في الصعوبة أعقبت حربا شاملة طالت الأشياء والأحياء كما والمؤسسات والأجهزة والمنشئات والمرافق والخدمات..


وبالنظر إلى الخلفية التي طبعت حياة الزبيدي لسنوات طويلة عانى خلالها ما عاناه ومثله كثيرون عقب حرب 1994، نجد أنها في الغالب ارتبطت برفضه الدائم الاستسلام لسلطات نظام صالح، في الوقت الذي كان التمرد عليه ومواجهته عملا مغامرا في نظر الغالبية التي قبلت التعايش معه لأي سبب من الأسباب وتحت أي ظرف من الظروف، كيف لا وقد كانت الظروف جميعها تصطف لصالحه (صالح وليس عيدروس)، وعلى الضد من خصومه.


قاد عيدروس واحدة من أقوى حركات الرفض والمعارضة أخذت تتمدد كما ونوعا، إلى الحد الذي بات معه عيدروس وحركته هاجسا مرعبا للنظام وأدواته الأمنية والعسكرية والاستخبارية في الفترة التي كانت تعتبر فترة ذهبية في سنوات حكم صالح، وحين جرت الأحداث لغير صالح حركة الرفض تلك، لم يكن الزبيدي بمعزل عن إدراك هذا المتغير، إذ أحسن تقدير الأمور وأجاد قراءة المعطيات لكنه لم يغامر ولم يقامر في الطريق ذاتها، كما أنه في المقابل لم يهادن ولم يستسلم، وكانت تلك الفترة كفيلة بتقديمه أمام من عرفوه خصوما أو مناصرين، رجلا مسؤولا قادرا على التقاط المبادرة في اللحظة المناسبة دون تهور أو اندفاع. يحسب للقائد عيدروس إصراره على الصمت وعدم حب الظهور والتسابق على التصوير والقفز إلى المنصات وتصدير التصريحات الإعلامية لاعتقاده أن ما يجب أن يقال يعبر عنه بالفعل وليس بالبيانات المطولة والخطابات المجلجلة، ذلك أن العمل الصحيح يتجلى في العمل بصمت وإخلاص بعيدا عن الأضواء المزعجة والأصوات المنفعلة.


وعندما فرضت الحرب واقعا جديدا على اليمن عامة والجنوب بشكل خاص، لم يبد الزبيدي متفاجئا ولا مصابا بالدهشة التي أقعدت كثيرين عن العمل، لأنه كان قبل إعلان الحرب بأسابيع قد جمع أبناء الضالع على كلمة واحدة وموقف موحد، مضمونه الرفض المطلق لأي هجمة خارجية، وكان قبلها قد شكل نواة "المقاومة الجنوبية" مطلع العام 2014 إبان التصدي للأعمال الوحشية التي باشرها العميد/ ضبعان قائد اللواء 33 مدرع حينها.


وبناء على ذلك يمكن القول باطمئنان أن الزبيدي الذي اتخذ موقفا رافضا لهيمنة صالح ونظامه في أبهى سنوات حكمه، هو نفسه الذي اتخذ قرار المقاومة بإمكاناته البسيطة، بينما كانت المعسكرات والمؤسسات والمناطق تتهاوى واحدة بعد أخرى تحت زحف التتار الجدد القادمين من مغارات صعدة، وفي غضون أيام قليلة وساعات عصيبة انكشف زيف الكثير من الأدعياء والزعماء والقادة ليكشف الزبيدي عن حقيقته كقائد استثنائي في ظرف استثنائي وذلك شأن القادة الذين ينتدبون أنفسهم في لحظات مفصلية من تاريخ شعوبهم، ثبت الزبيدي ومعه القلة الصابرة في الضالع ليصنعوا في شهرين نصرا كبيرا أفضى إلى طرد الغزاة أو من تبقى منهم، وكانت ملحمة تحرير الضالع من أهم ملاحم الحرب وأكثرها عنفا ومواجهة وإصرارا مشتركا لدى الطرفين على تحقيق النصر، لكن النصر كان حليفا لأصحاب الأرض والمبدأ والقضية.


وهنا لا يمكن إغفال دور التحالف العربي في دعم جبهة الضالع، دون أن يقلل ذلك من جهد المقاومة، كما وأن الإشادة بصمود المقاومة الأسطوري لا يعني التقليل من أهمية الدعم والإمداد من التحالف العربي، سواء من خلال الغارات الجوية والقصف العنيف لمواقع الحوثيين والمخلوع أو من خلال الدعم بإنزال كمية من الأسلحة شملت جهات ومواقع عدة للمقاومة.


يتذكر أفراد المقاومة تلك الوقائع بمزيد من الفخر بما قدموه مع رفاقهم الذين استشهدوا أو أصيبوا، كما لا يغفلون مواقف قائدهم عيدروس الزبيدي، الذي ما كان يتخلف في أي مواجهة حاسمة بل كان يتقدم الصفوف بشجاعة وبسالة دون أن يكتفي بكونه القائد المخطط أو الزعيم الذي يجب أن لا يمسه غبار المعركة.


ومع ذلك كان له ولأفراد المقاومة في الضالع أدوار مشرفة في جبهات المسيمير والعند وغيرها، لأن انتصار الضالع بقدر ما أضاف الكثير إلى رصيده، أضاف عليه أعباء ومسؤوليات جديدة ما كان له أن يتوارى بعيدا عنها وقد صار في الواجهة.


وكان اختياره لشغل موقع المحافظ لأهم محافظة ومدينة بل للعاصمة المؤقتة للبلاد دليلا على أن حجم مسؤولياته غدا أكبر من ذي قبل، كما أن قبوله بهذا التحدي رغم صعوبته دليلا أيضا على قدرته على تحمل الأعباء الجديدة مهما كانت كلفتها.


وخلال تحمله المسؤولية الإدارية والأمنية على اتساعهما، بدا أن الانتقال إلى مربع السياسة لا يقل أهمية وخطورة، ذلك أنه ينتمي لتيار الحراك الجنوبي المطالب بالتحرير والاستقلال، وإنهاء الوضع السياسي القائم على أساس "الجمهورية اليمنية" التي هي نتاج توحيد دولتي الجنوب والشمال في العام 1990، بينما هو في الوقت نفسه معين من السلطة الرسمية المسنودة بالتحالف العربي الحليف الأقوى والأهم سياسيا وعسكريا وأمنيا وماديا ومعنويا للمقاومة، وعيدروس نفسه أحد أبرز قيادات المقاومة، ومع ذلك استطاع أن يعمل بأدوات السياسة بما هي فن الممكن، رغم وجود مآخذ وملاحظات عليه من هذا الطرف أو ذاك، وذلك شيء طبيعي لأنه يصعب وربما يستحيل إجماع كل التيارات وكل القوى على شخص واحد مهما بلغت قدراته.


غير أن ما لا يمكن إنكاره في معرض الحديث عن عيدروس أنه رفض كل إغراءات صالح وكسر كل عنجهياته، متمسكا بحقه في العيش بكرامة، كما وأنه قاد نفسه ورفاقه في تلك المرحلة وصولا إلى مراحل أخرى متحليا بالإيمان ذاته وبالمبادئ نفسها، فضلا عن نجاحه في الانتقال إلى مربع السياسة وهو لا يزال محتفظا برصيده النضالي، وحنكته السياسية.

مقالات الكاتب