تقرير بحثي يكشف حجم وخطورة التغييرات في الكتب المدرسية شمال اليمن

المدنية أونلاين/شهاب العفيف:

للنزاع تأثيرٌ مدمرٌ على التعليم؛ فهو عاملٌ رئيسي في الحد من الوصول إلى التعليم الجيد، وله، أيضا، تأثيرٌ سلبي على الصحة العقلية وعلى الإنتاجية لدى الأطفال والفتيان، كما أنه يفكك التماسك الاجتماعي، ويفاقم من حالة عدم المساواة في المجتمعات.

في التقرير البحثي الذي نشره المركز اليمني للسياسات، خلال يناير من العام الجاري، للباحث مالك سعيد، بعنوان («انتبه! قد يكون ابنك الشهيد التالي»: تغييرات في الكتب المدرسية في شمال اليمن) والذي لجأ إلى التحليل الموضوعي لهذه التحولات عن طريق استخدام المنهج النوعي. فهذا المنهج يتيح للباحث تناول التفصيلات والتشعبات المتصلة بالموضوعات التي تنطوي عليها المادة الخام من البيانات المجموعة.

ويهدف البحث إلى استكشاف كيف يمكن لهذه التغييرات التي استحدثت في الكتب المدرسية في شمال اليمن أن تؤدي إلى تصعيد الصراع وإضعاف الجهود المبذولة لتحقيق السلام.

ومن أجل هذه الغاية، فقد عمد الباحث إلى تحليل 57 كتابًا مدرسيًّا من الصف الأول إلى التاسع (الفئة العمرية من 7-16 عامًا)، في الموضوعات التالية: الدراسات القرآنية، والدراسات الإسلامية، واللغة العربية، والدراسات الاجتماعية (التي تشمل الجغرافيا والتاريخ).

تطرق البحث إلى تأثيرات التغييرات الجديدة التي ادخلها الحوثيين إلى الكتب المدرسية التي يتم تدريسها في التعليم الابتدائي في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، حيث تعبِّر التغييرات عن آرائهم الأيديولوجية والدينية والسياسية، كما يؤكد البحث.

وبحسب البحث فإن الكتب المدرسية تمثِّل الشكل الرئيسي لبث الروح المجتمعية، وتُستغل بوصفها «تَدَخُّلًا» واسع النطاق بين «الثقافة المقبولة» للسلطة والطلاب.

ويشير إلى أنه خلال السنوات الأربع الماضية، خضعت الكتب المدرسية المستخدمة في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين لتغييرات أيديولوجية وسياسية، وأن الكتب المدرسية تمتلئ بالمواد التي تروِّج للنزاعات الصفرية (طرف الحق المطلق/ طرف الباطل المطلق)، وهذا الطرف الأخير ينبغي أن يكون الخاسر ويجب القضاء عليه. والواضح أن هذا النهج من التعليم يستهدف غرس قيم معينة وتوجيه مسار التنشئة الاجتماعية السياسية وزرع الطاعة.

وكشف التقرير البحثي كيف الحوثيون يدّعون أن لهم حقًّا إلهيًّا في حكم الأمة الإسلامية، والزعامة في جميع مجالات الحياة، إذ أن التغييرات الجديدة في الكتب المدرسية تؤكد هذه المعتقدات؛ وذلك من خلال الاحتفاء بقادة الحوثيين الدينيين والسياسيين بوصفهم أحفاد النبي محمد (آل البيت)؛ والغرض من ذلك بناء صورة ذاتية إيجابية ولديها المشروعية في حكم البلد.

تشيد التغييرات بجهود قادتهم ومقاتليهم، وتبجلهم باعتبارهم صناع التاريخ اليمني. في جميع الكتب المدرسية التي خضعت للتحليل أثناء تنفيذ البحث، تصوِّر الكتب صورة إيجابية وبطولية للمقاتلين، وفي الوقت نفسه، تعطي الكتب صورة سلبية عن «الآخرين» الموصومين بـ«الخونة»، في إشارة إلى رجال الحكومة المعترف بها دوليًّا الذين يصورون بأنهم «باعوا أنفسهم مقابل المال للأمريكيين والسعوديين والإماراتيين والإسرائيليين».

وأوضح البحث عن وجود مفرداتٍ مهينة في المناهج التي تم تغييرها، فيتم تقديم خصوم الحوثيين باعتبارهم منعدمي القيمة الأخلاقية، وأنهم يحاولون تدمير الثقافة اليمنية ومبادئها الإسلامية، وتطرق البحث إلى دليل أنه في كتاب للغة العربية للصف السادس توجد قصيدتين تمجِّدان بطولة «المجاهدين» في محاربة «الأذناب» (وهو مصطلحٌ مهينٌ يشير إلى الأطراف اليمنية الأخرى؛ ويستند هذا الوصف إلى فكرة أنهم امتدادٌ لقوى الأمريكيين والسعوديين والإسرائيليين).

البحث تناول عدد من الأمثلة التي قام الحوثيون بتغييرها في المناهج الدراسية للصفوف الإبتدائية في مناطق سيطرتهم، وبحسب البحث أن ادعاء الحوثيين بتمثيل آل البيت يهدف إلى بناء هويتهم بوصفهم أسمى مكانة، وإعطائهم حقًّا مقدسًا في اتِّباعهم وتقديس أفعالهم.

وأضاف البحث أن النصوص تذكر بعض قيادات الحوثيين المتوفين بوصفهم «شهداء»، في حين يتم محو الشخصيات الأخرى ممن لا ينتمون إلى آرائهم السياسية.

علاوة على ذلك، يسعى الحوثيون، بحسب البحث، إلى ترسيخ حقوقٍ دينية لا جدال فيها لتبرير التحصيل المفرط للأموال من اليمنيين، كما ورد في كتاب الدراسات القرآنية للصف الثامن، استخدموا آية قرآنية للإشارة إلى أن ما أُخِذ في الحروب «كغنيمة» من دون قتالٍ يعود إلى آل البيت؛ ترسِّخ هذه التغييرات شرعيتهم السياسية كحقٍّ إلهي لا يجوز رفضه أو التفاوض بشأنه.

وما يميز البحث أنه اعتمد على المنهج النوعي والتحليل الموضوعي، وتطرق لكتب كثيرة تم تغييرها خاصة الدراسات الإسلامية واللغة العربية والاجتماعيات، ووضع بعض التوصيات لمعالجتها.

وأشار البحث إلى أن التغييرات في الكتب المدرسية مُستمدّة من العقيدة العسكرية التي بموجبها يُعتبَر كل طفل جنديًّا محتملًا في المستقبل، تناقش النصوص العنف بشكلٍ صريحٍ، لكن من المثير للاهتمام أنه لم يتم شرح أسباب العنف أو عواقبه. كثيرًا ما يُقدَّم العنف بشكلٍ إيجابي، إما كاستجابة اجتماعية وعائلية طبيعية للنزاعات، وإما كجزءٍ من الممارسات اليومية.

ومن أبرز التوصيات التي خرج بها البحث:

- لا بد من أن تصاغ المناهج الدراسية بطريقة تجعل الماضي يتصالح مع الحاضر والمستقبل، لأن انتهاكات اليوم مولدة لصراعات الغد، ولإقناع الأحزاب السياسية بتجنُّب التلاعب بالتعليم سياسيًّا وأيديولوجيًّا، فإنه يجب العمل على الحفاظ على تاريخ وثقافة وهوية وكرامة جميع الأحزاب السياسية والمجموعات الجهوية والطائفية المختلفة، بالإضافة إلى ذلك، يجب توثيق انتهاكات حقوق الإنسان من دون تلاعب لتمكين العدالة الانتقالية التي يمكن أن تنطوي آلياتها على إعادة ذاكرة مجتمعية متماسكة.

- إن توفير تعليمٍ جيدٍ منصف يبدأ بضمان أن يؤدي التعليم إلى تحسين مهارات الأطفال ورفاههم بشكلٍ متساوٍ وأن لا يساهم في النزاعات. ويجب على المانحين والمنظمات الوطنية والدولية غير الحكومية العمل «وسط النزاع» وليس «حول النزاع». يتطلَّب هذا اهتمامهم بدعم إصلاح التعليم الآن بدلًا من الانتظار حتى تنتهي الحرب. يمكن أن يحدث هذا من خلال إجراء تقييمٍ للكتب المدرسية الحالية في جميع أنحاء اليمن وتحليل مساهمتها في التحريض/أو/التخفيف من حدة النزاعات. يجب تعيين فريق عمل مشترك يمثِّل جميع مكونات المجتمع في اليمن بقيادة أطرافٍ محايدة لفحص وإعادة كتابة الكتب المدرسية حسب الضرورة.

- يجب أن تكون دروس وكتب تعليم السلام جزءًا من التعليم اليمني، وأن ينشر، بالتوازي مع ذلك، ما تنطوي عليه التقاليد الإسلامية والقبلية من توجيهات ووصايا تحث على المصالحة والسلام. إن من شأن تقديم دروس عن السلام في المدارس أن يعزز السلام والمصالحة المجتمعية، وأن يقلل من تأثير الكتب المدرسية المؤدلجة سياسيًّا.

يجب أن يُدرج التعليم في محادثات السلام، وألّا تقلل مبادرات السلام من قوة التعليم في توجيه السلام، سيؤدي تضمين التعليم في محادثات السلام إلى الضغط على جميع وكلاء الحرب لتحييد هذا القطاع الحساس.

ويعد المركز اليمني للسياسات هو مركز أبحاثٍ مستقلٍ أسَّسه، في العام 2020، مجموعةٌ من الباحثين اليمنيين والألمان ممّن لهم صِلة بالمركز اليمني لقياس الرأي العام، وهذا الأخير هو منظمة غير حكومية يمنية معروفة مقرُّها مدينة تعز اليمنية، أمّا المركز اليمني للسياسات يهدف إلى التأثير على عملية صنع السياسات المحلية والدولية بهدف تحسين الظروف المعيشية للشعب اليمني.